الحرية “الحرية المجتمعية”

139
هيلين محمد مرفوع
هيلين محمد مرفوع

لم تكن تعرف تلك الأنامل الغضة، وهي تخط تلك الحروف الأربعة على جدران مدرستها، أنها ستعيد كتابة مصير شعب بأكمله، شعب وقع تحت تأثير هذه الكلمة عليه كالسحر، مالبث أن انتقل هذا السحر من مكان في سوريا إلى آخر، ربما كان هذا الشعب شعباً متعطشاً للحرية، لذا كان وقعها سريعاً وانتشرت كالنار في الهشيم، ولكن ما لبث أن انطفئ بريق هذه الكلمة بسب السواد الذي اعتلاها، والمتسلقين الذين أفرغوها من معناها الحقيقي ومحتواها العظيم، هذا المعنى السامي الذي ومنذ عصور والآلاف من البشر يدفعون أثماناً باهظة للوصول إلى طعم الحرية. اليوم أحببت أن نعود سوياً لمعنى الحرية الحقيقي وأفقها الشاسع ومجالاتها التي تكاد لا تعد.

وفي الواقع لم أجد من غاص وتعمق في وصف الحرية أكثر من قائد الشعب الكردستاني السيد عبد الله أوجلان، هذا القائد الذي استطاع أن يوقظ الأمل في قلوب الملايين من أبناء الشعب الكردي بأن نيل الحرية ليس بالحلم المستحيل. إن معنى الحرية وتعريفها لدى القائد ذو أفق لا يمكن حصره فقط بالمجتمع البشري لأن الحرية هي هدف الكون على حد تعبيره، وإن الكون يندفع نحو الحرية، وإن جعل الحرية حكراً على البشر فقط هو اختزال من اتساعها . تطرق القائد في تحليله لمجالات الحرية العديدة، منها حرية الفكر، حرية التعبير، حرية الاعتقاد، حرية المرأة، والحرية المجتمعية، وحريات آخرى. و في هذه الزاوية أحببت أن أضيء بعض النقاط في تحليله للحرية المجتمعية، يعرف القائد المجتمع على أنه الطبيعة ذات الذكاء الأرقى وهو جانب منير في سياق تحليل الحرية أيضاً، فميادين الذكاء المركزة حساسة إزاء الحرية، ومن الصحيح القول أنه بقدر ما يركز مجتمع ما من مستوى ذكائه وقدراته والثقافة والعقل، فإنه يكون ميالا بنفس القدر للحرية، ولعل النقطة الأكثر إشراقاً كانت بقدر ما يفتقر مجتمع ما لتلك القيمة في العقل والذكاء والثقافة أو يحرم منها، بقدر ما يكون غارقاً في العبودية بالمثل. والحرية أيضاً في منظوره هي قوة الانتشار المجتمعي وهذا ما سمي ب ( السلوك الأخلاقي) منذ أولى المجموعات البشرية، يقول القائد بأن الأخلاق المجتمعية غير ممكنة إلا بالحرية، وبالأحرى فالحرية هي منبع الأخلاق، وبمقدورنا تعريف الأخلاق بحالة الحرية أو قواعدها أو تقاليدها المتصلة، وإذا كان الخيار الأخلاقي منبثقاً من الحرية، فسيكون من المفهوم أكثر تسمية الأخلاق بالوعي للمجتمع (ضميره) وذلك حينما نضع روابط الحرية مع الذكاء والوعي والعقل نصب العين . حقيقة الموضوع أشمل من اختصاره في مقال وتحليله أوسع من هذه السطور.

في الختام يمكن القول أنه لا يمكن عقد صلات ثمينة وقيمة للمساواة مع الحرية إلا في حال ربطها بالأخلاق واحترام الاختلاف بين أفراد المجتمع الواحد، وتأمين الانسجام والتناسق بين الحرية والمساواة اللتان هما الهدف الرئيس للسياسة المجتمعية.

 

التعليقات مغلقة.