لقاء حميميم …وأوهام الحوار

48
%d8%a3%d9%83%d8%b1%d9%85-%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-1
أكرم حسين

يعيش الكرد في أراض عابرة للعراق وسوريا وتركيا وإيران، ويتمسّكون بهويتهم القومية ويتغنون بأمجادهم التاريخية قبل تقسيم أراضيهم، ورغم أنّ مؤتمر سيفر1920 قد أقرّ بإقامة كيان كردي، إلّا أنّ اتفاقية لوزان 1923، أنهت حلم الكرد بالاستقلال، ورسّخت الحدود الحالية – بعد أن ألحقت الموصل والمناطق المجاورة لها إلى العراق- في إطار الانتداب الانكليزي – وفتحت صفحة جديدة من النضال الكردي، في مواجهة الدول التي ألحقوا بها،
أمّا الآن فإقليم كردستان يتمتع بإدارة شؤونه، وفي ” روجآفا ” تجري محاولات لإنشاء إقليم فيدرالي، رغم أنّ الكرد يديرون مناطقهم منذ 2014، من خلال إدارة ذاتية “ديمقراطية” يرفضها المجلس الوطني الكردي وينعتها باللاشرعية ويصفها أحيانا بسلطة “الأمر الواقع” أو سلطة ” الوكالة” .
تظهر الوقائع العنيدة، ازدياد الاهتمام الدولي بالكرد، خاصة بعد دحر داعش من قبل قوات البشمركة وYPG  التي سطّرت ملاحم البطولة والنصر في كوباني وسنجار ومنبج وجلولاء وزمار وبعشيقة والهول والخازر والشدادي و… الخ، من هنا يمكن أن نقرأ دعوة حميميم للأحزاب الكرديّة التي لم يكن ينتظر منها أحداً أن تحقق المصالحة الكردية، ولا أن تزيل التشنج والاحتقان بين فصائله المختلفة، بعد فشل اتفاقيات هولير ودهوك، بسبب الأيديولوجيا الحزبية وأوهام الذات التي تعيشها هذه الأحزاب.
نعم لم يكن يتوقع من لقاء حميميم أن يقتنع النظام بالمظلوميّة الكردية السورية، ولا بالانفتاح  أو الاعتراف الدستوري بوجودهم القومي وحقوقهم الوطنية والديمقراطية، فرغم كل ما قدمته موسكو من دعم عبر أساطيلها الجوية والبحرية وقواتها الخاصة، ما كان  يمكن للنظام أن يتواجد ولو بشكل رمزي في مناطق الكرد، لولا تحصينها في وجه الإرهاب وحمايتها لمؤسسات الدولة ومنشأتها النفطية، رغم الحصار وانعدام الدعم العسكري واللوجستي، فحسب المعلومات المتوفرة فان لقاء حميميم لم يكن إلّا من أجل تشكيل وفد كردي للمشاركة في مؤتمر الأستانة الذي تنوي موسكو عقده استناداً إلى اللقاء الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، لذلك عاد زوار حميميم محملين  بمشاعر الخيبة والإحباط، رغم الإنكار والمكابرة والانزعاج من الحديث الروسي الذي طالبهم بقبول دستور 2012، مع الموافقة على بعض الخصوصيات الثقافية الكردية، وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية.
ما جرى في حميميم لم يكن إلّا تأكيد على خطأ تهافت البعض، وعلى بؤس الفكر الذي يبني مشروعه على الحوار مع نظام لديه مشكلة تاريخية مع الكرد ومع قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بسبب عقلية التفرد والهيمنة والإقصاء، فقد أظهر لقاء حميميم إخفاق الاستراتيجية التي بنى عليها البعض مشروعه، بإمكانية الحوار منفرداً مع النظام أو الروس، وانتزاع الاعتراف بالوجود الكردي قانونيا، بعيدا عن الشعب السوري  – هذه الاستراتيجية تحرر النظام من عبء توزيع قواته وموارده على مناطق لا تحظى بالأهمية الحاسمة ونقلها إلى مناطق تحصن شرعيته – وهو رهان خاطئ شجع عليه الروس من أجل استمالة الكرد وإبعادهم عن حلفائهم الدوليين ! .
لقاء حميميم يضع مرّة أخرى مصداقية الموقف الروسي على المحك، فهناك وجهة نظر تقول بأن سوريا أصبحت من حصّة الروس، ولهم دور رئيسي في تسوية الصراع واستمراره وأن معركة الاستنزاف ستطول بعد انكفاء الدور الأمريكي مؤقتا، وبالتالي على الكرد عدم تفويت الفرصة، والتفاوض مع الروس من أجل حقوقهم لأن لهم اليد الطولى، وهذا المسار لا يضرّ بالمصالح الكردية التي صارت قاب قوسين من التحقق، لأنّ نجم الكرد في صعود، وسيكسبون المعركة السياسية كما كسبوها عسكريا، هذا الرأي يستحق التوقف عنده لأن الكرد يجب أن لا يرفضوا مبدأ الحوار، لكن يجب أن يكونوا متفقين على كلمة سواء فيما بينهم، أي يتفقوا على مطالب مشتركة تخصّ الكرد السوريين، وتحفظ حقوقهم القومية والديمقراطية، كما أنّ الحوار يجب أن يجري بضمانات وبرعاية دولية وأممية، كي لا يكرر التاريخ نفسه ثانية على شكل ملهاة، كما جرى مع علي باشا جان بولاد عندما كان واليا على حلب في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، حيث كانت ولايته تمتدّ من أضنة حتى طرابلس ودمشق، لكن الأوربيين خذلوه عندما هاجمته قوات السلطنة العثمانية، وفرّ إثر ذلك إلى الشوف اللبناني، وبالتوازي مع حركته نشأت حركة فخر الدين المعني الثاني من حلب إلى فلسطين إضافة إلى الجبل اللبناني، إلّا أنها هي الأخرى تعرضت لنفس المصير من قبل الاوربيين، ولا ننسى هنا بأنّ الأوربيين أنفسهم وقفوا في وجه انتفاضة الشيخ عبيد الله النهري، والشيخ محمود الحفيد واسماعيل آغا  الشكاكي  في العراق وإيران، وكانوا السبب في سقوط جمهورية مهاباد وإعدام القاضي محمد وكذلك في انتكاسة ثورة الخالد ملا مصطفى البارزاني                                 . لم يكن المجتمع الدولي يوما إلى جانب الشعب الكردي، بل عمل دائما من أجل مصالحه ومارس سياسة مزدوجة تمثلت بالغدر مع أغلب الحركات الكردية.
أخيرا يمكن القول على الكرد أن يستفيدوا من دروس التاريخ، وألّا يثقوا بأعدائهم، وبكل الدول التي لم تفِ بوعودها والتزاماتها تجاههم – وكما يقول المثل لن يحكّ جلدك سوى ظفرك – فليس للكرد أصدقاء سوى وحدتهم والجبال.

التعليقات مغلقة.