لئن بسطت إلي يدك …

35

14958380_1449504131731095_1469549044_nإبراهيم خليل

في روجآفاي كردستان اليوم، حكومة “أمر واقع” نشطة ومنظمة، تتبنى مفاهيم تؤمن بها شرائح واسعة من المجتمع الكردي، هي أخوة الشعوب، والتعايش السلمي، والحياة اﻹيكولوجيّة، ونظام الكومينات، والكانتونات، واﻷمة الديمقراطيّة متعددة القوميّات واﻷديان، بينما تمارس على أرض الواقع سياسة ينظر إليها الكثير من أطراف النظام والمعارضة السوريّة معا على أنّها انفصاليّة وقومية متطرفة، وليس هذا رأي معارضتها السياسيّة الكرديّة، الممثلة في المجلس الوطني الكردي، التي تحمل فكرا قوميّا صرفا ولكن دون فاعلية تذكر على اﻷرض.

حقّ الاختلاف السياسي محفوظ، وليس ﻷحد أن يرغم الناس على اتّباع أحد الطرفين، فقضيّة الولاء في نهاية اﻷمر قضيّة شخصيّة فرديّة، وللجميع حقّ التعبير بحريّة عن موالاتهم أو معارضتهم أو حتى عمالتهم، ما دام هذا التعبير في حدود السلميّة والمدنيّة ولا يعود بالضرر على المجموع. أمّا أن يخرج واحد أو أكثر من أبطال اﻷنترنيت، وفرسان الفيسبوك المغتربين، ممن منّ الله عليهم بنفحة من الغباء تكفي قطيعا من حمر النعم، فيتوجّه إلى الداخل بالكلام العربي إيّاه، مترجما إلى الكرديّة أعني تلك الخطب الخنفشاريّة من ماركة ” يا أبناء سحتوت وسفروت وصيادي العنكبوت، انهضوا من سباتكم، وأطيحوا باﻵبوجية عملاء النظام!! ” هكذا بكل بساطة وسطحيّة لا تختلف عن أفلام الكرتون إلّا في أنّها غير مسليّة، فذلك مما لا يوزن بالقيراط.

أخي المحرّض: ماذا يعني أن تكون على مبعدة آلاف اﻷميال عن الوطن، آمنا في سربك معافى في جسدك، عندك بفضل الله والسوسيال قوت يومك، أن ترفع عقيرتك بهتافات الثورة والدعوة إلى الانتفاض على سلطة تعتقد أنّها عميلة، وأن تدفع بأبناء شعبك المسكين، الذي ذاق ويذوق اﻷمرّين من انعدام اﻷمن والقوت إلى اقتتال أخوي بغيض ومكلف ولا يصيبك من شرّه شيء؟ ماذا تعني كل تلك الخيالات التي تقنع نفسك بها، وأنت تعلم أنّها جعجعة بلا طحن وغيم بلا مطر وإنّك كمن يدعو الناس إلى الحلق، وشعره “خنافس”.

ماذا يعني أن يكون تاريخك في ظلّ حكومة اﻷسديْن، تاريخ رضا واستكانة وتجاوب واعتراف طوعي بوليّ اﻷمر، رغم أنّ هذا الولي قد صهرك كليّا، ومنع عنك ليس فقط حقوقك الثقافية التي كانت منتهى آمالك، التي كنت تطالب بها هينمة وزمزمة، بل حرّمك من التحدّث بلسانك، ومنعك حقك بتسمية أبنائك على أسماء أجدادك، ثم حين استولى “اﻵبوجيون” على حكم كردستان سوريا بالقوة، وقاموا على تكريد المنطقة بشكل ممنهج، ووطأت قدم الكردي المسلّح ﻷول مرة في التاريخ أراض لم يكن أشدّ القوميين الكرد ليحلم بمدّ الخريطة نحوها، وتداول اﻹعلام أيضا للمرة اﻷولى في التاريخ، مصطلحات من قبيل القوات الكرديّة والتكريد والاجتياح الكردي والتطهير العرقي الكردي – مع تحفظنا عليها -، لم تتحمل أن يحكمك كردي مستبدّ، فهاجرت من غرب كردستان إلى غرب أوربا، لتقيم “حكومة منفى” على رمال الفيسبوك متصوراً نفسك “ديغول” دون رتبة أو “الخميني” دون لحية.

أخي المحرّض: روجافاي كردستان اليوم في حالة طوارئ، نرجو ألّا تدوم، وفي مشهدها السياسي سلطة مستبّدة ومعارضة ضعيفة يعمل كلاهما على خدمة شعبه من الزاوية التي يحسب أنّها اﻷصلح، ومادام لا أحد يمنعك من حقّك في النقد والرأي، كن صالحا ولا تتلُ خلف أمير داعش:” فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب … ” بل: ” لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يديّ إليك ﻷقتلك إنّي أخاف الله رب العالمين” … والسلام.

نشرت هذه المقالة في العدد 54 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/11/2016

15128530_1465659986782176_1550467822_n

 

التعليقات مغلقة.