الطموحات الكرديّة في ظلّ إدارة دونالد ترامب؟

105
15086431_1202631396483958_1658761765_n
زيور العمر

زيور العمر 

شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، ( الفيسبوك وتويتر ) اهتماماً كبيراً بالانتخابات الأمريكية. وليس سرّاً أنّ أغلبية المتابعين والمتفاعلين الكرد مع أجواء التنافس، كانوا أكثر ميلاً إلى المرشح الجمهوري دونالد ترامب منه إلى المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وذلك بسبب مواقف الأخيرة من الأزمة السورية. 

صحيح أنّ الإدارة الديمقراطيّة برئاسة أوباما حرصت على علاقة جيدة مع الكرد، وراهنت عليهم بشكل فعليّ في محاربة داعش، ولم تسمح لتركيا بقيادة حزب العدالة والتنميّة، ورئيسها رجب طيب أردوغان بالاعتداء على الكرد في سوريا بشكل مباشر، من خلال منعها من غزو مناطقهم والقضاء على تجربتهم الذاتيّة في الحكم في مناطق روجآفا، إلّا أنّ القناعة لدى الأوساط الكردية بإمكانية انتهاج هيلاري كلينتون سياسة مغايرة لسلفها في حال انتخابها رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية كان قائماً، وبخاصّة في ظلّ تصريحاتها المدافعة عن حظر للطيران وإقامة مناطق آمنة في سوريا.

فتحقيق هذين المطلبين اللذين هما في الأساس كانا مطلبين تركيين، يعني انحسار الطموح الكردي الساعي إلى ضمّ المنطقة الواقعة بين جرابلس وأعزاز إلى مناطق الإدارة الذاتية قبل الإعلان عنها كإقليم فيدرالي، وباعتبار أنّ ذلك من شأنه أن يحوّل هذه المنطقة إلى مركز للنفوذ التركي في سوريا والجماعات التابعة لها، وما يمكن أن يسفر عن ذلك من تغيير ديمغرافي عبر تحويل وجهة النازحين السوريين إليها.

أمّا من جهة دونالد ترامب فقد بدا من تصريحاته أنّه منزعج من أحوال الولايات المتحدة الأمريكيّة وثقلها الحالي، اللذان باتا على المحكّ، خصوصاً في ظل غياب الرؤية الواضحة لدى إدارتها السابقة حيال أكثر الملفات الحيوية بالنسبة لأمريكا ومصالحها، وهو ما علا مكانتها الريادية في السياسة الدوليّة. وليس مستبعداً عودة الأمريكيين في ظلّ إدارته، أي دونالد ترامب، إلى إدارة السياسة الدوليّة على أساس القيم/المصالح المشتركة التي تبنتها الإدارات الأمريكية في عهديْ بوش، الأب والابن.

ولعلّ ما يعزز القناعة بإمكانية تبني هذا التوجه، هو تراجع حاجة أمريكا إلى نفط منطقة الشرق الأوسط بعد أن أصبحت نفسها أكبر دولة منتجة ومصدرة له في العالم، الأمر الذي يعني تراجع أهمية دول متّهمة بتغذية الأفكار المتطرفة في العالم كالسعودية وأوساط خليجية أخرى، وهي نفس الأسباب التي قد لا تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتساهل مع أيّ دولة منخرطة في دعم أنشطة جماعات إرهابيّة تحت هذه الذريعة أو تلك، والمقصود بها هنا تركيا أيضاً.

لذلك ثمّة انطباع أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، ستكون أكثر جديّة في سعيها للقضاء على تنظيم داعش وباقي المجموعات الإسلاميّة المتطرفة وحسم المعارك معها في أسرع وقت، مما يفسح المجال للبحث عن حل سياسي وإمكانية دفع الأطراف المتصارعة في سوريا للاتفاق على صيغة تضمن إنهاء الصراع الدموي المحتدم منذ اكثر من خمسة أعوام، وهذا يعني أنّ الفترة القادمة قد تشهد تنسيقياً أمريكياً ـ روسيا أكبر وتفاهماً أوسع حول المجموعات الراديكالية التي يجب مكافحتها في سوريا، وكذلك ضغوطا أشد على الدول الاقليمية المنخرطة في الأزمة السورية بهدف وقف دعمها للمجموعات المعرقلة للحل السياسي، وهذا كلّه يخدم التطلعات الكردية في روجآفا باعتبار أن الكرد شكلوا القوة العسكرية على الأرض في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الماضية.

إنّ منح الأولويّة لمحاربة الإرهاب، وما يرتبط به من دعم دول وجماعات لها يوفر للعلاقة الأمريكية ـ الكردية عامل الاستمرارية والديمومة، الذي من الممكن أن يتطور في اتجاه انتزاع اعتراف سياسي وتبنّي للمشروع الكردي الساعي للفدرلة خصوصاً في مرحلة ما بعد داعش، كما حدث للكرد في العراق، من دون أن يعني ذلك الحاجة إلى إسقاط نظام بشار الأسد الذي بدا من تصريحات ترامب أن خطره أقل من داعش.

ومع ذلك ما زال من المبكر الحكم على نهج ترامب على أساس مواقفه وتصريحاته أثناء الحملة الانتخابية، خصوصاً أنّ استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكيّة ورسم مصالحها القومية العليا لا تتمّ في إطار ضيق عادة، وإنّما تساهم في صياغتها عديد من المؤسسات البالغة الأهمية كالاستخبارات والجيش والخارجية. وليس من المتوقع أن تواجه السياسة الخارجية في عهد ترامب الانقسام والاختلاف في الرأي، كالذي شهدته إدارة أوباما بخصوص سوريا على سبيل المثال. وباعتبارها إدارة جمهوريّة جديدة بعد ثماني سنوات من حكم الديمقراطيين، فإنّه من المتوقع أن تظهر إدارة ترامب في سنواتها الأولى القدر الكبير من الصرامة والجديّة، سواء فيما يتعلق بالملفات الداخليّة والاصلاحات الاقتصادية والإجراءات التي أخذتها الإدارة السابقة أو على مستوى السياسة الخارجية، لجهة العمل على استعادة الدور الأمريكي في العالم ، وهذا يقتضي كما هو متوقع حسب كاتب هذه السطور إعادة تقييم لائحة أصدقاء أمريكا مما قد يؤدي إلى حذف جماعات ودول من هذه القائمة أو إضافة أخرين إليها، وفي هذا الخصوص ليس هناك ما يشير إلى إمكانية تغيير الموقف من الكرد في الفترة القريبة القادمة ، خاصة و أنّ المعركة مع داعش لن تكون سهلة و سريعة الحسم على الأقل.

نشرت هذه المقالة في العدد 54 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/11/2016

15128530_1465659986782176_1550467822_n

التعليقات مغلقة.