أردوغان والعثمانيّة الجديدة

29

15033819_1201682729912158_2064136332_nعبدالسلام أحمد 

الأتراك يراقبون ما يدور في الرقة والموصل، وهم ليسوا بعيدين بعسكرهم كثيراً عن المدينتين، وخاصّة  المدينة الأخيرة، بعد أن استقرّ بهم المقام في منطقة بعشيقة التي تقع على مفترق طريق استراتيجي يربط بين الموصل وأربيل ودهوك، وثكنات وقواعد عسكرية في منطقة العمادية  منذ عام ١٩٩٥  لمحاربة حزب العمال الكردستاني،  وعيونهم اليوم على كامل ولاية شهرزور وولاية حلب والرقة،  علّهم يعيدون بعض الضائع من أمجاد آل عثمان، أطماع لا يخفيها زعماء حزب العدالة والتنمية الحاكم في المناسبات والمجالس، وقد أدلى أردوغان مؤخراً بتصريحات  يتّهم فيها من وافق على بنود اتفاقية  لوزان  ١٩٢٣ بالخيانة، الاتفاقيّة التي رسمت حدود الجمهوريّة التركيّة، على أنقاض الوطن الكردي والأرمني والسرياني الآشوري وشعوب أناضوليا.

هل هي المصادفة حقّاً أن تجتاح القوات التركيّة الخاصة مدينة جرابلس في ٢٤ آب ٢٠١٦، في الذكرى ٥٠٠ لانتصار السلطان سليم الأول على السلطان الملوكي  قانصوه الغوري في معركة مرج دابق، المعركة التي فتحت أبواب العالم العربي أمام الاستعمار العثماني الذي دام أربعة قرون، أم تقصّد قادة تركيا اختيار هذا اليوم؟  التصريحات التركيّة تشير على أنّ اختيار هذا اليوم لم يأتي وليد المصادفة.

توغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية، تتقدمهم الكتائب المرتزقة تحت مسمى “درع الفرات”، تؤكّد مرامي وأهداف أردوغان بالسير على خطى سلفه، وهو يقدّم نفسه للعرب على أنّه الحامي والمدافع عن حقوق المسلمين السنة في مواجهة التمدد الشيعي الإيراني، ليعيد للذاكرة الصراع الصفوي العثماني حيث كردستان ساحتها.

 ليس بخافٍ على أنّ الحكومة التركية قامت بدور كبير في عسكرة الثورة، وفي تأجيج نار الفتنة المذهبيّة في المجتمع السوري من خلال دعم الجماعات التي تتبنى الفكر الجهادي السلفي، وتأمين الإمداد والتموين لهم وتسهيل عبور آلاف المقاتلين الجهاديين للأراضي السورية عبر الحدود التركية، كما أنّه دعم كل الحركات الأصولية في تونس ومصر وليبيا، وتدخل في الشأن الداخلي لهذه الدول من أجل تسويق الإسلام السياسي والنموذج التركي.

الانقلاب العسكري الفاشل في ١٥ تموز احتاط له أردوغان جيداً، لعلمه المسبق بترتيبات المشاركين به، حتّى يجيره لصالحه، وهو ما فعله ونصب كميناً للانقلابيين واتخذه حجّة لتصفية خصومه السياسيين وتشديد قبضته الأمنيّة، وزجّ بالآلاف في المعتقلات منهم قادة حزب الشعوب الديمقراطيّة ورؤساء بلديات منتخبين، وجعل من جماعة الداعية “غولن” شمّاعة لتحقيق أهدافه، وهو بالحقيقة استهدف الكماليين في المؤسسة العسكرية التركية والقوى العلمانيّة والديمقراطية في تركيا وشمالي كردستان. أحلام الامبراطورية العثمانية وآماله بأن يصبح سلطاناً على المسلمين السنّة، هي ما تدور بمخيّلة أردوغان ويعمل لها وهو ما حدا به للتدخل العسكري المباشر في سوريا، تحت عنوان دعم السنّة ومحاربة مشروع فيدرالية روجآفا – شمال سوريا الذي بات يقضّ مضجعه.

ممّا لاشكّ فيه فإن أردوغان وأركان حكومته لن يدّخروا جهداً من أجل النيل من المكتسبات التي حققها شعبنا في روجآفا من خلال جمع شتات وشراذم المجموعات المسلحة تحت راية ما يسمى “بالجيش الحر”، لدفعها باتجاه مقاطعات الإدارة الذاتية، وقد نجح الجيش التركي مع كتائب إسلاميّة جهادية بالسيطرة على مساحة جغرافية واسعة بعد أن انسحب منها الدواعش دون قتال، حتى بلدة دابق ومالها من رمزية دينية لدى تنظيم الدولة سقطت بسهولة ، ونجح الجيش التركي في تنفيذ مشروع المنطقة الآمنة التي طالب بها أردوغان على أرض الواقع، بمباركة روسيّة إيرانية سورية، وغض نظر أمريكية، وهم الآن بصدد تشكيل كتائب أخرى تحت مسمّى “درع الجزيرة”، لاحتلال مناطق في الجزيرة وتل أبيض.

والسؤال الذي يدور في الأذهان؛ هل ستسمح الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا العضو في حلف الناتو بأن تتوغل أكثر في الأراضي السورية، ليشمل الباب ومدينة منبج، وكذلك السماح بعمليّة عسكريّة تركيّة في تل أبيض أو سري كانيه، لتهديم مشروع الفيدرالية، لا نعتقد بأنّ الأتراك سيتجرؤون على تجاوز الخطوط الحمر لواشنطن، ذلك لأنّ مناطق روجآفا شمال سورية تعدّ اليوم من ضمن مناطق النفوذ الأمريكية، والأمريكان لن يضحّوا بمصالحهم التي تقتضي إيجاد موطئ قدم لهم على الأراضي السورية من أجل مصالح تركيا التي تتجه لترسيخ النظام الديني الشمولي الاستبدادي، كما أنّ المشروع التركي سيصطدم مع مصالح روسيا التي ترى بأنّ سوريا من حصّتها، وتقع ضمن المجال الحيوي الروسي، وكذلك إيران التي تجد في سوريا خندقها المتقدم في المنطقة، ولن تفرط بسهولة بهذه الجبهة.

 المُلّا ادريس البدليسي الذي وضع الأمراء الكرد تحت طاعة السلطان العثماني سليم الأول، وجعلهم أدوات لتحقيق أهداف العثمانيين في الهيمنة والتوسع، وبفتواه وغيره من الملالي أصبح الكرد جنوداً لتحقيق مطامع العثمانيين في مشرق المنطقة ومغربها، تركيا اليوم  بقيادة أردوغان تريد العودة بالكرد مرّة أخرى إلى الحضن العثماني وجعلهم تابعين وموالي ودراويش طرق صوفية، ويتوهّم قادة حزب العدالة والتنمية  بأنّهم قادرين على خداع الكرد عن طريق الملالي من أمثال  المُلّا ادريس البدليسي ، وضرب مشروع فيدرالية روج آفا – شمال سورية.

نشرت هذه المقالة في العدد 54 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/11/2016

15139258_1465660056782169_621634399_n

 

التعليقات مغلقة.