جنون السلطان .. تركيا إلى أين؟

28
%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%b3%d8%a7%d9%81
حسن علي العساف

حسن علي العساف

إنّ التطورات السياسيّة والعسكريّة في الساحة السورية انعكست سلباً على الداخل التركي، وباتت تهدد مصير تركيا كدولة قويّة ومؤثرة في القرار السياسي الإقليمي، وتحويلها الى دولة فاشلة لم يعد بإمكانها حتّى الحفاظ على الشعارات التي كانت تدّعيها باسم الحريات والديمقراطية، ضاربة بعرض الحائط كافة القوانين، والاتفاقيّات الداخليّة والدوليّة، بل حتّى الدستور التركي ذاته. وظهر ذلك جلياً بعد الانتخابات، وفوز حزب الشعوب الديمقراطية(HDP)، بنسبة تجعل منه صاحب كلمة وقرار في الساحة التركية والإقليمية، مما دفع بأردوغان وحكومته، إلى فبركة انقلاب عسكري بهذا الحجم، لو افترضنا بأنّه بالفعل كان هناك انقلاب حقيقين ولكن أردوغان عملق من هذا الانقلاب وجيّره لسياساته الخاصّة، من أجل فرض سلطته المطلقة وتصفية كلّ خصومه السياسيين، والغاية من كل ذلك هو القضاء على حزب العمال الكردستاني، وحزب الشعوب الديمقراطيّة واضطهاد الكرد ومنعهم من ممارسة حرياتهم، والتعبير عن وجودهم كشعب أصيل وعريق وله تاريخ وحضارة ويريد العيش بحريّة. بالرغم من أنّ حزب الشعوب لم يطرح سياسة معادية أو هدّامة للدولة التركيّة ولكن عنجهيّة السلطان العثماني دفعت به إلى تلك السياسة الخاطئة بل الهدامة للدولة، والتي بدأت بقصف مدفعي وصاروخي للمدن والمناطق الكردية المدنية الآمنة، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، مع أنّ الحزب قد وافق على الهدن والتهدئة والتفاوض واللجوء للسبل السلميّة مع النظام التركي أكثر من مرّة، ولكن دون جدوى واستمرت عنجهيّة السلطان وتماديه في البطش، وكأنّه أخذ سجل النظام السوري وبدء بتطبيقه بحرفيّة في قمع خصومه السياسيين والمعارضين السلميين، وانتهى مؤخراً إلى إغلاق الصحف ومحطات الإعلام وحريّة الرأي ومصادرتها واعتقال العاملين والموظفين فيها، وثمّ اعتقال البرلمانيين الكرد وعلى رأسهم السيد صلاح الدين ديمرتاش وفيغان، وهو بذلك كما أسلفت يقلّد النظام السوري ويبدو أنّ هناك استعانة بتلك الخبرات والمخابرات ولذلك نقول أنّ الدولة التركية وليس النظام فقط أصبحوا على الهاوية والمنزلق،الذي سيؤدي إلى تفتيت تركيا أو رهنها للمصالح الدولية اللاعبة فيالمنطقة، كالولايات المتحدة الامريكية وروسيا وإيران،  وقد أصبح ذلك واضحاً تماماً في الحرب العراقية على داعش والتدخل التركي، وكذلك في معارك حلب والشمال السوري، وأخيراً معركة الرقة التي بدأتها قوات سوريا الديمقراطيّة منفردة كردّ فعل على التدخل التركي وأطماعه ودعمة للمجاميع الإرهابية، بحجّة دعم المعارضة السورية المسلحة أو الجيش الحرّ بالرغم من أنّه لم يعد هناك جيش حرّ في سوريا بكل أسف، بل مجموعات تعمل لمصالح خارجيّة كتركيا وبعض دول الخليج وغيرها من أصحاب الأجندات والمطامع في الساحة السورية، ونحن متأكدون من انتصار قوات سوريا الديمقراطيّة على داعش وحلفائه، من مخابرات تركيّة أو عربيّة أو غربيّة معروفة للغالبية، ولم تعد خافية، ونعتقد بعد انتصار قوات سوريا الديمقراطيّة، سوف يزداد جنون السلطان ويلجأ إلى أساليب أكثر تهوّراً، ستنجح مؤقتاً في بعض جوانبها ولكنها في النهاية ستؤدي إلى انهيار الدولة التركية.

 وفي المقابل من هذا التخبط التركي هناك تصاعد للدور الإيراني، الذي استغل كل ذلك وبدأ يتنامى ويتصاعد في المنطقة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، ولا نستبعد أن يكون لهم دور مستقبلي حتّى في الداخل التركي على غرار ما حدث في تلك الدول، التي استفحل بها التمدد الإيراني، ولا ننسى أنّ تركيا دولة متعددة الأعراق والمذاهب والطوائف، وهناك أيضاً الطائفة العلويّة (الشيعية)، التي تعتبر مادة سهلة وسلسة للنفوذ الإيراني هناك، وقد سعت إيران منذ فترة الى النفخ في الروح المذهبيّة هناك، وهي بعد حين متى نضجت حالة الانهيار التركية، فحينها سيكون الدور البارز للتغلغل الإيراني  في تركيا، وربّما هناك من يسأل أين الدور الغربي أو الأمريكي من تمدد ايران في تركيا؟

نحن نعتقد أنّ الأمريكان والغرب عموماً رغم عدائهم الإعلامي لإيران، ولكنّهم يحبّذونها على تركيا وغيرها من الدول في الإقليم، وذلك لأنّهم يعتقدون أنّ إيران من الممكن التفاهم معها وجعلها حليفاً أو شرطياً لهم على بقيّة الدول لسبب بسيط، وهو أنّ إيران التي تمثل المذهب الشيعي، وهم أقليّة مذهبية وعرقية (فارسية)، تعتبر معادية لمحيطها العربي والسنّي عموماً، وأنّ مصلحتها الاستراتيجيّة رهينة برضاء الغرب عنها، وتبعيتها المطلقة له فيما لو حدث صِدام مذهبي أو عرقي مستقبلاً، وهذا واضح للجميع والدليل علية ماشاهدناه من إعدامات لناشطين كرد في كردستان إيران، وحملات القمع والاعتقالات اليومية وقيام النظام الإيراني بقمع الثورة الكردية أمام أعين الغربيين، وصمتوا عنّها وكذلك قمع ثورة عربستان إيران وما تعانيه بقيّة الشعوب فيها، ولا نجد أيّ تضامن معهم من قبل الغربيين أو الأمريكان ولكن هذا لا يعني أنّ تركيا وحدها آيلة للسقوط أمام التمدد الايراني وبقاء إيران قوية ومستفحلة بالمنطقة، فربّما الدور المرسوم لإيران هو كذلك في المرحلة الحالية والمستقبل القريب، ولا أحد يضمن عدم تغيير هذه المعادلة في الشرق الأوسط ولكن سقوط الاقوياء والحلفاء الاستراتيجيين في الشرق سيبدأ من تركيا وقد ساعد في ذلك جنون السلطان، وراح يأخذ البلاد إلى الهاوية من حيث يعلم أو لا يعلم ولكن بإمكان أردوغان تفادي كل ذلك فيما لو تصالح مع الكرد، وحوّل تركيا إلى النموذج الاتحادي أو الفيدرالي وأطلق الحريات فسوف تشعر كل المكونات بحاجتها إلى بعضها في ظل دولة واحدة يتساوون فيها بكل الحقوق.

نشرت هذه المقالة في العدد 54 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/11/2016

15139258_1465660056782169_621634399_n-1

 

التعليقات مغلقة.