موسيلا (الموصل) …الموت المؤجل

34
14961477_1449504128397762_1586326291_n
عبدالباري احمه

عبدالباري احمه 

موسيلا (الموصل) حكاية مدينة عاشت وما زالت تعيش كمشهد سريالي مبهم في الانتماء والتاريخ والثقافة، كل من جاءها غازياً أو فاتحاً أو مستعمراً لم يستطع أن يغير أو ينال من ثقافتها الكونية والتي تمتد من أعالي ميزوبوتاميا العليا وحتى الآن.

في منتصف 2014 أكدت داعش(البغدادي) ومن خلال احتلالها لهذه المدينة وإعلان دولة الخلافة فيها، انها دقت في عقول كل المتصارعين أسفيناً سياسياً. وكأن داعش نبههم بأن هذه المدينة بداية النهاية لحل الأزمة في عموم العراق، وقد تكون (بازاراً) سياسياً لحل الاشكاليات المتراكمة في كل من سوريا والعراق وقد ترمي بظلالها على دول الجوار وحتى العالم.

الموصل …. لماذا الآن

نتيجة الخلافات السياسية والاستراتيجية بين المتخاصمين(المحليين) على مستقبل الموصل تأجلت هذه المعركة لهذا الوقت، وهذا التأجيل لم يأت صدفة إنما اللاعبين الدوليين كانت لهم وما زالت أجندات سياسية وارباح اقتصادية مؤجلة نتيجة

لدراماتيكية الأحداث المكثفة في المنطقة. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو ما طبيعة المنطقة بعد تحرير الموصل والرقة . كون معارك هاتين المدينتين هي سياسية لأنها تعبر عن اجندات مفتوحة وملفات مجهولة وكثيرة وربما بعدد الأطراف المشاركة من عراقيين وكرد ودول الجوار والتحالف، لأن نتائج معارك الموصل والرقة  ستحدد مستقبل المنطقة وسوف تضعها أمام خيارين لا ثالث لهما. أما حروباً أهلية مستمرة أو حكومات فيدرالية تنهي نفوذ الحكومات المركزية.

  فالأخ الأكبر(أمريكا) قد قررت الآن خوض هذه المعركة قبل انتهاء رئاسة أوباما. هذا من جهة ومن جهة أخرى إبلاغ موسكو بأن واشنطن تستطيع اتخاذ قرارات استراتيجية متى تشاء. وتأكيداً على قوة سياساتها عملت وقبل كل شيء على ابعاد كل المتصارعين على المشاركة واختارت قوتين أساسيتين بالمشاركة هما الجيش العراقي والبيشمركة. ولم تتفق أمريكا مع هاتين القوتين على مستقبل المدينة سياسياً، إنما احتفظت بـ (مسمار جحا) في البيت الأبيض مؤكدة لموسكو والغرب بأن مفاتيح الشرق متعلق باستراتيجيتها.

بداية أعلن اردوغان عن امتعاضه من تقاسيم أمريكا بعدم مشاركة تركيا، ولم يخف خوفه من النتائج المستقبلية لهذه المعركة والتي قد تنصب لمصلحة الكرد. وليس مستبعداً أن تربط أمريكا معركة الموصل بنتائج الصراع في سوريا. وخاصة ما يتعلق بالحضور المتميز للكرد كقوة عسكرية تحارب الإرهاب بالتوافق مع التحالف. لا يمكن فصل ما يجري للكرد في سوريا (روجآفا) عن مشهد تحرير الموصل والذي قد تجعل واشنطن  من الكرد أكبر الرابحين في المشهدين (سوريا والعراق)

والقراءات الدولية للحرب ما بعد داعش في سوريا والعراق تبعث على الغموض في النتائج المستقبلية للكرد. هل من الممكن أن ترسم واشنطن خرائط سياسية جديدة للشعوب في المنطقة(الكرد) بداعي حماية مصالحها ؟؟

إبعاد إيران وتركيا من المشاركة في حرب الموصل واحدة من الدلالات التي تنذر بذلك، كذلك أبعدت أمريكا كل الفصائل المسلحة بالمشاركة (عصائب الحق والحشد الشعبي) وغيرهما، ومن النتائج المحتملة التي ترسمها أمريكا ما بعد تحرير الموصل… اجبار هجرة داعش للشمال السوري(الرقة) كي تزيد من طين موسكو بلة وتحقق فرصة نجاح للإقليم كي تفرض شروطها السياسية على بغداد وربما تصبح هذه الشروط ممراً نحو الاستقلال. وبذلك تكون واشنطن قد حققت برسم الحرف الأول من مشروعها في الشرق الأوسط، ولعبتها السياسية في سوريا ستبدأ. والمشروع الإيراني (سوريا المفيدة) الآن وبالتوافق مع النظام تعمل واشنطن وطهران من خلال تنفيذ هذه الخارطة السياسية والتي تشمل ربط طهران وبغداد ودمشق وبيروت بسوريا المفيدة، إفراغ (داريا) ومن ثم (المعضمية) وغيرها من المدن واستيطان الشيعة من العراق أو العلويين من سوريا، وجعل هذه المدن كسور الصين يحمي النظام وتحقق مصالح إيران الاقتصادية والمذهبية.

لن يأتي هذا المشروع هبة من أمريكا لإيران إنما نتيجة أمور عدة منها عدم مرور مشروع سوريا المفيدة من الإقليم ولا من روجآفا. بل السير به كخطوط نقل برية وبشرية في صحرائي الرمادي والشام ثم إلى دمشق وإلزام طهران بهذه الشروط كي تستفرد واشنطن لوحدها برسم خارطة جديدة للكرد في الشمال السوري يداعب بها وجه اردوغان ومن يتبعه (انتقاماً من موقف تركيا لها 2003).وهذه واحدة من الأسباب واشنطن السياسية .

كقراءة أولية لاقتصاد الشمال السوري التي هي ضمن مشروع الفيدرالية الديمقراطية نجد بأن إيراداتها السنوية تبلغ 10،8 مليار دولار وهذا الرقم يشكل نصف ميزانية سوريا (احصائيات 2013). أمريكا تدرك أهمية هذا الاقتصاد وهذه الأرقام والقوة البشرية. وتعمل على إكساب الكرد بالشمال السوري حضوراً سياسياً ومجتمعياً بتوجيه رؤوس الأموال إليها للتنمية والإعمار، وكموقع جغرافي يتمتع الشمال السوري باستراتيجية كاملة كونها تتصل بالبحر غرباً وبالإقليم الكردستاني شرقاً وسداً منيعاً أمام أطماع تركيا شمالاً.

هذه الدلالات الاقتصادية والبشرية والجغرافية بالإضافة إلى تمتع الكرد بقوة عسكرية مقاتلة تعمل على اجهاض مشاريع داعش واخواتها في المنطقة ، من جهة أخرى ، تؤكد هذه الدلالات إلى عقد صفقات سياسية بين الكرد وواشنطن، وخاصة بعد تحرير الرقة من داعش والعمل على توفير الأمن والاستقرار في حلب.

 في قمة العشرين الأخيرة كانت بوادر هذا التقسيم المبدئي واضحاً بين أوباما وبوتين، فمن شرقي الفرات وحتى الحدود العراقية شرقاً هي بحماية أمريكية والتأكيد على وجود الكرد سياسياً، ومن غربي الفرات حتى الساحل السوري تصبح منطقةٌ سنية بحماية روسية.

الأزمة السورية صنعت أزمات في الاجندات والمصالح بين القوى المتصارعة محلياً واقليمياً ودولياً. وقد تعمل واشنطن على رسم خارطة سياسية وطائفية مجزئة في سوريا كي تستطيع أن تحقق استراتيجيتها في المنطقة.

نشرت هذه المقالة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress”

1/11/2016
14937091_1448302155184626_1274511262_n

 

 

 

التعليقات مغلقة.