الكردية أمّك أيها اليتيم

25

إبراهيم خليل

%d8%a7%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%84

لكي يعبّر المجلس الوطنيّ الكرديّ عن امتعاضه ورفضه لسلوكيّات حزب الاتحاد الديمقراطي الحاكم الحصريّ في كردستان الغربية ( روجآفا ) يعلن عن حملة ” إضراب عن الطعام ” في مقار المجلس وبين أربعة جدران كتيمة، وعلى هذه الجدران لافتات تحمل عبارات بليغة بالعربية تعبّر عن سخط الكرديّ على الكرديّ ومطالب الكرديّ من الكرديّ.

يسأل القاضي اﻷلماني المهاجر الكرديّ عن جنسيته فيحسب هذا إنه يسأله عن قوميته فيجيبه بعد أن يتلفّت حوله ليتأكد من عدم وجود عنصر مخابرات بالقرب منه :” كردي، أنا كردي ” وحين يفهم القاضي عبارته تلك من خلال المترجم يأمر بإحضار النسخة الكردية من الفورما. يبحلق الكردي الفخور في الورقة المكتوبة بأحرف لاتينية قبل أن تذبل جفونه ويخاطب المترجم بانكسار : ” ابن العم، أرجوك، قل لهم إنني أريد الفورما بالعربية “.

يحدثك المناضل الكردي عن سنوات نضاله الطويلة والصعبة وعن حقوق الشعب الكرديّ البطل وعن كردستان المقسّمة بين أربع دول وعن حقوقنا الثقافية التي لن نتنازل عنها ولو ضربوا مفارقنا وعلقوا مشانقنا. يعبث ابنه الصغير بجهاز التلفزيون الذي يعرض أخبار قناة ” الجزيرة ” فيصفّق الرفيق المناضل بيديه منبّها الصغير وباعقا في وجهه بصوت لا تنجح اللهجة الشامية في جعله يبدو مهذبا :  ” لا يا بابا، لا يا بابا، عم نتابع اﻷخبار، يا الله أوام ناولني الكونترول و طلاع إلّا للماما خليها تعملنا فنجانين أهوة سادة “

يجتمع اﻷخوة اﻷكراد أحفاد سيبويه وخالويه ونفطويه في منزل أحدهم ويعلن صاحب البيت أن سبب الاجتماع هو العمل على تأسيس اتحاد للكتاب الكرد. يتحمّس الجميع للفكرة ويدور نقاش عميق وساخن حول اﻷدب الكردي بلغة ليس فيها من الكردية سوى أحرف الجر والعطف، وبعد ساعات من الأخذ والردّ يقع الاختيار على “كاتب كردي” خريج اﻷدب العربي لكتابة بيان التأسيس، وحين يثير أحد العائشين في المريخ قضية شروط الانتساب ووجوب أن يكون للمرشح كتاب باللغة الكردية يقفز اسم سليم بركات إلى الحوار مثل لعنة في وجه المريخيّ: شو يعني أستاذ؟ انت لا تعتبر سليم بركات كاتبا كرديا مثلا؟!

بعد أن يرغمك لساعتين على سماع قصّة حبّه الضائع ونهايتها الحزينة، يعرض عليك كرديّ بسيط يحمل “السرتفيكا” مشاعره الجيّاشة التي سوّد بها وجه ورقة بيضاء، فتقرأ: وجهكي أجمل من هذه القمر الفتان وعيونكي مثل نجمتان وخدودكي بلوني حباة الرمان وأنا وحيدون ضائعون في هاذه الدنيا بلا عنوان”. وحين تعبّر له على استحياء عن “بعض اﻷخطاء الخفيفة ” التي تشوب قصيدته الرائعة يقطب جبينه ويزمّ شفتيه ثم يلوّح بكفّه الضخمة فوق رأسك كالمروحة: ” يا أستاذ، الله يخليك، الخطأ النحويّ طبيعي، نحن في النهاية أكراد”

مثقف كردي في أرذل العمر و”منصهر كليا” أسرّ لبعض خلصائه ممن لا يكتمون خبرا: من لا يكتب بالعربية ليس بشاعر ولا بكاتب، وجميع هؤلاء اﻷدعياء الذين يزاودون علينا اليوم إنما يكتبون بالكردية ﻷنهم لا يتقنون فنون الكتابة بالعربية. وحين سُئل عن رأيه في جكرخوين، قال: جكرخوين ليس شاعرا أصلا، وكل ما كتبه كلام فارغ لا يخرج عن حواديث العجائز، قل لي بربّك هل يمكنك مقارنته مثلا بالمتنبي أو أدونيس أو محمود درويش، طبعا دعك من مقارنته برامبو أو شكسبير أو بوشكين …

نشرت هذه المقالة في العدد (51) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/10/2016

%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af516

التعليقات مغلقة.