كرة اللهب الكُردية
صحيح لم تتوقف كرة اللهب الكردية منذ آخر تقسيم لكردستان في اتفاقية سايكيس ـ بيكو عام 1916 لكنها ازدادت سرعة ولهيباً واصطداماً عقب ثورات (الربيع العربي) وخاصة بعد ظهور داعش ومحاولاته لغزو المدن الكردية في كل من سوريا والعراق.
ورغم التهديد الكبير الذي شكّله داعش في ابتلاع الأخضر واليابس , فهو في نفس الوقت كان أحد الأسباب القوية إلى الجانب المقاومة الكردية في دفع القضية الكردية سنوناً إلى الأمام ومنحها زخماً واهتماماً عالمياً وبنتيجته فُتحت أفق سياسية ودبلوماسية أكثر رحابة وانهالت على الكُرد المساعدات العسكرية والمالية في كل من سوريا والعراق ,حتى بات الكُرد على طرفي الحدود محميون ضمن خطوط حمر غربية وكمثابة قوات برية لهم في المنطقة لمحاربة الارهاب, وعززت هذه العلاقة من خلال تشييد غرفة العمليات المشتركة وإقامة العديد من القواعد العسكرية وإرسال الجنود والمستشارين إلى المناطق الكردية في كلا البلدين.
ماذا التهمت كرة اللهب الكردية؟
سيطرت البشمركة على غالبية المناطق التي تسمى بـ ” المتنازعة” أو ” المستقطعة ” بعد تحريرها من داعش وذلك بعد سنوات من مماطلة الحكومة العراقية في تطبيق المادة “148” من الدستور حول تلك المناطق, وهي تجاهد الآن لتوفير البنية السياسية والاقتصادية الملائمة لعرض الاستفتاء وإعلان الاستقلال.
وفي سورية ماتزال الكرة الكردية تتدحرج وتلتهم وتحرر مساحات شاسعة من أعدائها رغم تهديد ووعيد تركيّ لقوات سوريا الديمقراطية وتتهيأ الأخيرة لإيجاد البيئة السياسية لإقامة إقليم فيدرالي مترابط من النهر إلى البحر تحت الحماية الأمريكية.
وفي تركيا يحارب حزب العمال الكردستاني وعبر جناحيه العسكري والسياسي من أجل إقامة نوع من حكم ذاتي في شمال كردستان (جنوب شرق تركيا) ودخوله إلى حرب المدن كان سابقة من نوعها رغم مواجهة الجيش التركي أتباعه (الحزب) بالحديد والنار وتحويل المدن إلى خراب. ووصل أيضاً ولأول مرة إلى البرلمان التركي عبر جناحه السياسي.
نلاحظ أن الحزب في أحسن حالاته سياسياً وعسكرياً رغم تلقيه ضربات موجعة في بعض الأحيان وخاصة في المدن.
وما الاستدارة الكبيرة لتركيا والرضوخ لإسرائيل والاعتذار لروسيا ومغازلة مصر وجسّ نبض ردّ سوريا حول التقارب بينهما إلا نتيجة لحرارة كرة اللهب الكردية التي تحاصرها من جنوبها وشمالها.
أما في إيران فقد حرّكت إنجازات وتضحيات أشقاءهم في الأجزاء الثلاث الأخرى من كردستان مشاعرهم وفتحت شهيتهم إلى البدء بالعمليات الهجومية ضد النظام الإيراني بعد صمت دام أكثر من العقدين عبر بشمركة الديمقراطي الإيراني لتثبيت وجودهم وإسماع صوتهم لأنصارهم وشعبهم المقموع ولمناوئي إيران أيضاً بأنهم قادرين على ضرب العمق الإيراني وإحداث التغيير والقلق لدى السلطات إذا ما تلقوا دعماً سياسياً وعسكرياً, كما أن حزب “الحياة الحرّة” الكردي هو الآخر يقاتل النظام الإيراني منذ سنوات ويشنّ هجمات بين الفينة والأخرى.
ولن تخمد الكرة الملتهبة حتى ترسم الحدود وتحدد الحقوق, فالظروف الدولية والإقليمية هي لصالح زيادة لهيبها ودحرجتها في أربع اتجاهات لتبلغ الذروة.
نشرت هذه المقالة في العدد (48) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/8/2016
التعليقات مغلقة.