الأكراد وفيما لو عاد العسكر التركي

33
آزاد نبي
آزادنبي

من نافل القول أن محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حزب العدالة والتنمية التركي لو كتب لها النجاح لقاد إلى تغيير كبير في التوازنات والتحالفات السياسية, ولكان له نتائج يصعب التكهن بها، على المستويين الداخلي والإقليمي. وكون تشغل القضية الكردية واحدة من أبرز القضايا السياسية في البلاد، فلا بد من القول أن تأثير الإنقلاب الفاشل كاد أن يأتي بنتائج غير محمودة عليهم، نظراً للتجربة الكردية المريرة مع سلطة العسكر.

منذ بروز حزب العمال الكردستاني “بداية الثمانينات” وحتى مجيء حكومة العدالة والتنمية، شهدت تلك الفترة التي كان يطغى على معظمها الطابع العسكري واضطراب الحياة السياسية، أحداث وويلات مأساوية أنهكت المجتمع الكردية ودمرت بنيته التحتية، بفعل غارات الجيش ونيرانه الثقيلة، فقد عرف عن العسكر أنهم على التضاد بكل ما هو كردي أو على صلة بالحقوق القومية للأكراد، وكل ما يهدد الهوية القومية التركية هو هدف لنيرانه، ناهيك عن نكرانه بوجود الأكراد في البلاد بالأصل. هذه وفق اعتقاد المؤسسة العسكرية نابع من التعاليم الاتاتوركية التي ترى في القومية التركية مصدر الكون وحقيقته، وبعودة مقتضبة إلى أحداث الثمانينات والتسعينات نجد خلالها أن ما من صوت سياسي استطاع الخروج من الخط العسكري إزاء قضية الأكراد، وما من طرح سياسي جريء يوقف مسيرة العسكر الدامية من جانب الأحزاب والحكومات المتعاقبة (اليمينية واليساري والإسلامية..)، باستثناء الرئيس التركي توركوت أوزال من حزب الوطن الأم، والذي اغتيل في ظروف غامضة ربيع 1993، على خلفية تأييده للحل السلمي مع الاكراد.

إذاً مصدر التخوف الكردي من هيمنة المؤسسة العسكرية على البلاد يكمن بصورة أساسية ليس في عدم اعترافها بوجود الأكراد وحقوقه فحسب، بل بتلك الذهنية التي لا تراه سوى العدو، وبوعي لا يتعاطى مع الآخر غير بمنطق السحق، وبميل عدواني واضح يتخطى إزاء وجودهم على الدولة التركية الحالية إلى وجودهم في الدول المجاورة. لهذا أمر الإنقلاببين في الساعات الألى وعلى الفور بانسحاب القوات التركية المرابطة في شمال العراق تمهيداً لقطع العلاقات مع إقليم كردستان واجتياحها فيما بعد. كذلك نجد كيف سارع حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد إلى اصدار بيان تنديد بالانقلابيين، حرصاً على مستقبل الديمقراطية في البلاد، وخوفاً من عودة العسكر مجدداً، هم كانوا على دراية تامة، رغم اختلافهم وحربهم مع الحكومة الحالية، أن الانقلاببين إن استحوذوا على السلطة فلن يبقى عضو كردي تحت قبة البرلمان، ولن يبقى وجود لحزب سياسي يناصر الأكراد، حرب مجنونة كادت تكون عنوان المرحلة المقبلة، تدمير مناطق الأكراد ومدنهم والعودة إلى العدم، فضلاً عن المصير المجهول لآلاف المعتقلين في غياهب السجون التركية. كل هذا مرجح حدوثه على صعيد مستقبل القضية الكردية فيما لو عاد العسكر إلى الحياة السياسية.

بطبيعة الحال، الحديث عن مظالم الجيش التركي وموقفه من الأكراد لا يعد دفاعاً عن حزب العدالة والتنمية الحاكم ولا اصطفافاً إلى جانب أردوغان، بقدرما يتعين على الأكراد الوقوف إلى جانب الخيار الديمقراطي والحكومة المنتخبة، وعلى الرغم من مرور سنتين على تجميد عملية السلام بين الحزب العمال الكردستاني والحكومة التركية إلا أنها لا تزال تحمل بعض الآمال في عودتها مجدداً رغم المعارك الدامية بين الجانبين، ورغم حرب أردوغان القذرة ضد المدن الكردية التي أعلنها حزب العمال مناطق الحكم الذاتي. أن الحكومة التركية الحالية رغم كل مثالبها ومساوئها يمكن التفاوض معها وقد ترحب مجدداً بالجلوس على الطاولة، نظراً لحاجة الحزب الإسلامي إلى أصوات الأكراد وإلى داعمين لتوجهات حزبه، وكون الحزب هو أول من أطلق مبادرة الحل السلمي هذه بصورته العملية منذ تاريخ وجود الدولة التركية. ربما تكره غالبية الأكراد أردوغان ولا تؤمن بوعوده، وربما يشكل الوعي العام دافعاً قومياً نحو ذلك كما هو الحال في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكن ذلك لا يحفز مطلقاً الإفراط بتأييد حكومة سياسية هي الأفضل من بين الأسوأ. كان الأساس عند الحركة السياسية الكردية في السابق هو تحصيل حقوقها القومية على نحو تدريجي، مثلما حصل في انتزاع البلديات ضمن المناطق التي يشكلون فيه الغالبية، كذلك على المستوى الإعلام والجامعات وتدريس اللغة الكردية، فضلاً عن التنمية الاقتصادية في مناطقهم، والأهم بروز حزب سياسي يوالي الأكراد صراحةً ويكافح معهم بالسبل القانونية والسلمية ولديه نواب في البرلمان..

في المحصلة، كل ذلك بالمقارنة مع فترة استيلاء الجيش على السلطة تعد انجازات كبيرة تحسب لصالح الأكراد، وعليه ليس بالإمكان التكهن أن ثمة حكومة أخرى أن جاءت ستفتح الأبواب على حل القضية الكردية وإنهاء النزاع المسلح، مالم تتورط الحكومة الحالية في صراع دامي مع المؤسسة العسكرية وينتج عنه حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. عندئذٍ سيكون للأكراد الكلمة العليا على كامل مستقبل الدولة التركية، وحتى قدوم ذلك اليوم سيتعيّن على الأكراد مهادنة حكومة العدالة والتنمية إزاء تفكيك سطوة العسكر.

خلاصةً القوّل، التجربة العنيفة للأكراد مع العسكر وما نتج عنه من مظالم ومجازر تدفعهم دون تفكير بدعم المضاد، ومع غياب بديل حقيقي يؤمن بالمساواة حلاً والسلام خياراً والديمقراطية منهجاً لتسوية الملف الكردي، يظل حزب العدالة والتنمية الأفضل مع عيوبه.

 

 نشرت هذه المقالة في العدد (48) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/8/2016

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n116

التعليقات مغلقة.