في فك الارتباط مع النظام – حديث ما بعد تفجيرات قامشلو
تعددت التأويلات بعد تفجير قامشلو الإرهابي عن كيفية إعداد العملية، وهوية منفذيها لتتفق أغلب الرؤى حول تورط النظام بشكل مباشر، أو تسهيل العملية على الأقل، رغم تبني داعش للعملية، تلك النظرية، التي تعززت بعد العملية الفاشلة، ونفذتها مجموعة من قريتين من قرى الغمر المعروفة بولائهم للنظام في مدينة عامودا، والتي أدت مقتل أحد أفراد المجموعة، واعتقال البقية.
بغض النظر عن صحة تلك الروايات، فإن المطالبة بالهجوم على مراكز نظام الأسد، في آخر معاقله في المحافظة في قامشلو والحسكة تجددت وبقوة، الأمر الذي يستدعي المزيد من الاستقراء لمعرفة مدى إمكانية تحقيق ذلك سياسياً، رغم سهولته عسكرياً، فالنظام مخنوق عسكرياً ومحاصر في المنطقة دون خطوط إمداد تؤمن له فرصة حقيقية في مقاومة أي هجمة حقيقية يكون هدفها استئصاله نهائياً من المحافظة.
الحاضنة الشعبية
يعيش في محافظة الحسكة خليط يشكل العرب فيه ثقلاً سكانياً يجعلهم ثاني أكبر تجمع سكاني بعد الكرد. بعد الثورة انقسم العرب في المحافظة إلى قسمين أساسيين. المجموعة الأولى انضمت إلى الثورة وبعد خمسة أعوام أستطيع الجزم أن هذا المجموعة قد تشتت بفعل الضربات، التي تلقتها ولم يتبق منها إلا الخلايا النائمة، أو مجموعات تم إثباط فعاليتها.
أما القسم الآخر فهو القسم المرتبط بالنظام، والذي يشكل حاضنة له. رغم كل ما تلقته تلك الحاضنة من خسائر إلا أنها بقت متماسكة، وخاصة في مدينة القامشلي وريفها، ما يعني أن أي عمل عسكري ضد النظام في هذه الفترة سيكون له آثار سلبية على المنطقة وينذر بحرب أهلية مدمرة لن تستطيع أي جهة، وخاصة الإدارة الذاتية تحمل تبعاتها نتيجة للتعقيد السياسي والأمني المحيط بها من كافة النواحي.
العلاقات الاقتصادية
لا يزال النظام رافداً أساسياً للإدارة السياسية مالياً حيث يتم دفع رواتب آلاف الموظفين، وانقطاع تلك الرواتب يعني عبئاً اقتصادياً ربما لا تستطيع الإدارة الذاتية تحمله في الوقت الراهن. كما أن حركة التجارة وتجارة النفط تعتبر الخزان الرئيسي لاقتصاد الإدارة، والذي قدره خبراء اقتصاديون بأنه يشكل 85 % من ميزانية الإدارة الذاتية، الأمر الذي من المرجح أن يتضرر بشكل كبير في حال فك الارتباط مع النظام.
يضاف إلى هذا وذاك تنقل الطلاب الكرد بين الجامعات السورية، التي يسيطر عليها النظام. إن حركة التنقل إلى المحافظات، التي يسيطر عليها النظام وضمن تلك المناطق سهلة، وأي ضرر في علاقات الإدارة مع النظام حالياً، سيحد من تلك الحركة إن لم يوقفها بشكل نهائي.
في العلاقات الدولية
لعل الملف الأهم فيما يتعلق بالنظام وعلاقته بالإدارة الذاتية هو التحالفات الدولية وتعقيداتها. حيث أن للإدارة الذاتية تحالفات مع المحورين الأمريكي والروسي، الذي يبدوان وكأنهما ينسقان على أعلى المستويات. فالأمريكيون متكفلون بضرب تنظيم داعش ويقوم بالإسناد الجوي لقوات سوريا الديمقراطية، بينما تتكفل القوات الروسية بقصف الكتائب الأخرى وتقوم بإسناد وحدات حماية الشعب في محور حلب بشكل عام والشيخ مقصود على وجه الخصوص.
بناءاً على ما سبق فإن أي خلل بالعلاقات بين الإدارة الذاتية والنظام يصل إلى مرحلة القطيعة النهائية وفك الارتباط يعني خروجاً للإدارة الذاتية من المحور الروسي، في ظل تحالف غير واضح المعالم، وغير مكتمل مع المحور الأمريكي. أقول غير واضح وغير مكتمل المعالم لأنه مقتصر على الجانب العسكري ويمكن أن ينتهي بانتهاء حاجة التحالف الدولي إلى وحدات حماية الشعب في محاربة داعش، وكذلك في ظل عدم انتماء حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل رسمي إلى المعارضة ما يعني أن التحالف مع الأمريكيين يعتبر هشاً.
لذلك فإن جلب استعداء المحور الروسي دون إرساء معالم تحالف قوي ومستدام مع الجانب الأمريكي، الأمر الذي يبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي لا يملك ما يكفي من التنازلات الموجعة ليدخله، يعني الدخول في مقامرة غير محمودة النتائج قد تكلف حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته وكذلك المنطقة برمتها ما لا طاقة لها به.
فك الارتباط مع نظام جزار دمشق ضرورة لا بد منها في المنظور البعيد لكنها مرحلياً تعتبر خطاً تاريخياً لا يقوى حزب الاتحاد الديمقراطي على تحمل تبعاته قبل اتخاذ مجموعة إجراءات في طريق فك الارتباط لم يتخذها الحزب بعد.
نشرت هذه المقالة في العدد (48) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/8/2016
التعليقات مغلقة.