صحفى ينقذ عبدالناصر من الإعدام

33

626355dc-a2f5-4fa4-8ac5-421bb766719b_3x4_142x185انفرد القرن العشرون بثورتين شهدتهما مصر: ثورة 1919 التى قام بها الشعب، وثورة 23 يوليو 52 التى بدأت انقلابا عسكريا قام به عدد من الضباط، لكن سرعان ما باركه الشعب وأصبح ثورة.

وقد كان الموعد المحدد لهذا الانقلاب، بقيادة جمال عبدالناصر، أن يتم ليلة 5 أغسطس حتى يقبض الضباط الذين سيقومون بالانقلاب رواتبهم ويسلموها لأسرهم فيؤمنوهم مادياً من احتمالات لا يعرفونها وهم يقومون بمخاطرة إذا نجحت أصبحوا أبطالًا، وإذا فشلت تم إعدامهم. وفى يوم 21 يوليو 52 عرف الكاتب الصحفى أحمد أبوالفتح، رئيس تحرير جريدة «المصرى» فى ذلك الوقت، من مصادره فى قصر عابدين، أن الملك فاروق وصلته قائمة بأسماء حركة الضباط الأحرار التى اشتهرت فى الجيش من خلال المنشورات التى تطبعها وتهاجم فيها فاروق، رأس الفساد فى مصر. وحسب المعلومات التى عرفها أحمد أبوالفتح فقد أعطى فاروق أوامره بالقبض على كل الأسماء الموجودة فى القائمة، وكانت بالفعل- كما تبين فيما بعد- أسماء كل قيادات تنظيم الضباط، بمن فيهم عبدالناصر وعبدالحكيم وغيرهما.

كان أحمد أبوالفتح كاتباً وطنياً ويعرف بحكم اتصالاته الصحفية عن وجود مجموعة من الضباط فى الجيش ساخطين على فاروق وحكمه، وكان أحد هؤلاء الضباط ثروت عكاشة، الذى كان متزوجاً من السيدة «ثريا» شقيقة أبوالفتح، والذى أبلغه أبوالفتح بالمعلومات التى وصلته من داخل السراى، كما كان يطلق على قصر عابدين.

ولم يتأخر ثروت عكاشة فى إبلاغ جمال عبدالناصر، الذى وجد نفسه فجأة فى سباق مع الملك، من يسبق قضى على الآخر. ونتيجة لذلك قرر عبدالناصر تقديم ساعة الصفر من ليلة 5 أغسطس إلى الليلة التالية مساء 22 يوليو.

كانت ضربة حظ جاءت من صحفى أنقذت رقاب جميع ضباط الانقلاب، لكن كانت ضربة الحظ الثانية فى تلك الليلة عندما خرج البكباشى يوسف صديق، الذى تم تكليفه بالاستيلاء على مقر قيادة القوات المسلحة فى كوبرى القبة، وكان قد تحددت له الساعة 12 فى منتصف الليل ليكون أمام مقر القيادة، إلا أن عبدالناصر، كما ذكر أحمد حمروش (من ضباط الثورة وأصبح مشهورا فى مجال الإعلام بعد الثورة) قرر تأجيل الموعد إلى الواحدة صباحا. وتم إبلاغ كل ضباط الانقلاب بهذا التعديل فيما عدا يوسف صديق، الذى كان معسكره بعيدا فى هايكستب، فكان أن تحرك على رأس قواته حسب الموعد القديم، ليجد نفسه ومعه قواته أمام مفاجأة لم تكن على البال، وهى اجتماع قادة الجيش فى مقر رياسة الجيش ومعهم كشف أسماء الضباط «الخونة» الذين يرتبون لانقلاب عسكرى ومطلوب تحريك القوات اللازمة للقبض عليهم فى تلك الليلة، فكان أن قبض عليهم يوسف منصور.

وهكذا بسبب الدور الذى قام به أحمد أبوالفتح، والغلطة القدرية التى ارتكبها البكباشى (مقدم) يوسف صديق، نجت رقاب عبدالناصر وزملائه ونجحوا فى الإمساك بالسلطة داخل الجيش دون أى صدامات حقيقية.

ومن المفارقات أن يكون يوسف صديق وأيضا أحمد أبوالفتح من أوائل الذين اختلفوا مع عبدالناصر ولنفس السبب، وهو مطالبة الاثنين قادة الثورة بتطبيق الديمقراطية.

ونتيجة لذلك حددت إقامة يوسف صديق فى قريته «زاوية المصلوب» مركز الواسطى بمحافظة بنى سويف، إلى أن توفاه الله فى 31 مارس 1975.

أما أحمد أبوالفتح فقد تم إغلاق صحيفته «المصرى» ومحاكمة صاحبيها محمود وأحمد أبوالفتح وقد غادرا مصر. وفى خارج مصر تزعم أحمد أبوالفتح مهاجمة عبدالناصر، فحكم عليه عام 1963 بالسجن 15 سنة من محكمة للثورة حاكمته غيابيا، وأضافت إلى ذلك تجريده من الجنسية المصرية. وظل أبوالفتح خارج مصر إلى أن وافق الرئيس أنور السادات، بعد حرب أكتوبر، على عودته إلى مصر وإعادة الجنسية المصرية إليه. وفتح له موسى صبرى، رئيس تحرير الأخبار، الصحيفة لكتابة مقالاته التى لم ينافق فيها السادات، بل أعلن معارضته له واختلافه معه فى سياسته عن الديمقراطية. ومنذ ذلك الوقت عام 1974 إلى أن رحل فى مارس 2004 لم يتنازل أبوالفتح عن دفاعه عن الديمقراطية، وكان قد انتقل إلى صحيفة الوفد، التى صدرت من ثلاثين سنة، ولم يتغيب عن كتابة مقاله الأسبوعى إلا فى الأسبوع الذى سبق رحيله عن 87 سنة.

* نقلا عن “المصري اليوم”

m

 

التعليقات مغلقة.