ماهي مبررات اقامة دولة كردستان المستقلة؟
” وفيما يخصّ السلطة التي تدير شؤون الناس وأعني بها سلطة اقليم كردستان فقد أظهرت فاعليتها ونجاحها، في كافة المجالات وباعتراف الجميع وهي نموذج للكرد في بقية أجزاء كردستان، مع الاعتراف أنها ليست خالية من السلبيات (وهذا أمر طبيعي) وهي لا تشمل بقية أجزاء كردستان ولكن لو تم خيار الكرد وعن طريق استفتاء ديمقراطي، وتحت إشراف دولي في الأجزاء الأخرى، بين البقاء تحت سلطة الحكومات التركية والفارسية والعربية والانضمام إلى الدولة الكردية في جنوب كردستان، لاختار غالبية الكرد دولة كردستان الديمقراطية وذات السيادة دون شك. فهل هناك كرديّ عاقل يريد البقاء تحت رحمة أنظمة فاشية وارهابية سلبته كل شيء؛ بدءا من الحقّ في الحياة, وخنقته بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية، مرورا باللغة الأم وحتى الارض التي يعيش عليها؟؟”
سؤال يطرح نفسه على الكرد في هذه المرحلة، التي سقطت فيها معاهدة سايكس- بيكو الجائرة التي قسمت وطن الكرد وبالضد من إرادتهم، ناهيك عن سقوط دولتين تسيطران على جزأين من كردستان وبقوة الحديد والنار. طرح هذا السؤال ليس وليد الصدفة أبداً، بل نتيجة منطقية لنضوج عاملين أساسيين ألا وهما: داخلي أو ذاتي وخارجي أو موضوعي.
فالعامل الذاتي تجسّد في تزايد الوعي القومي الكردي طردا مع إنجازات الثورة المعلوماتية وتطور عامل القرية الكونية، إزالة الحدود بين أجزاء كردستان في عالم الشبكة العنكبوتية التي فرضت نفسها على مجريات الأحداث. تشكيل اقليم كردستان الذي تحوّل في فترة زمنية قياسية الى شبه دولة مستقلة، معترف به من قبل أكثر من 36 دولة، أقامت معه علاقات قنصلية، فضلاً عن دعم عسكري، اقتصادي وسياسي مباشر من قبل مجموعة دول، بينها دول عظمى ودون الحصول على موافقة بغداد. إقليم كردستان له تأثير ومفعول سحري على الكرد سواء في بقية أجزاء كردستان أو دول الشتات، أنه دليل ومثال ساطع على قدرة وأهلية الكرد ليس فقط حكم على أنفسهم بأنفسهم، بل إقامة مجتمع ديمقراطي، تعددي، عصري في منطقة ساخنة تعاني من صراعات دينية، عرقية سوف تطول دون شكّ.
العامل الخارجي او الموضوعي:ظهور ما تسمى بالدولة الاسلامية في بلاد الشام والعراق( دولة داعش الارهابية والخارجة عن قوانين الأسرة الدولية)، إزالة الحدود بين دولتين تحتلان جزأين من وطن الكرد، كردستان وهما: سوريا والعراق. بروز العامل الكردي الذي فرض نفسه على الساحتين العسكرية والسياسية، وأعني به البيشمركة الأبطال في إقليم كردستان وقوات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في غربي كردستان التي سطّرت ملاحم بطولية ضد قوى الارهاب ودحرها بمساندة ودعم الدول الكبرى.
ماهي الدولة؟ قبل الولوج في صلب الموضوع يجب تحديد ماهية الدولة وتعريفها: فهناك أربعة أسس رئيسة لإقامة الدولة ألا وهي مساحه جغرافية معينة والسكان والسلطة وأخيراً السيادة أو الاستقلال. فالكرد يشكلون أغلبية سكان كردستان ويسكنون نفس المساحة الجغرافية مع تعديلات ليست جوهرية، ومنذ آلاف السنين، حتى بعد سقوط امبراطورية أجداد الكرد الحاليين “ميديا” في العام 550 ق.م أو الإمارات الكردية المستقلة في حقب تاريخية مختلفة. وفيما يخصّ السلطة التي تدير شؤون الناس وأعني بها سلطة اقليم كردستان فقد أظهرت فاعليتها ونجاحها، في كافة المجالات وباعتراف الجميع وهي نموذج للكرد في بقية أجزاء كردستان، مع الاعتراف أنها ليست خالية من السلبيات (وهذا أمر طبيعي) وهي لا تشمل بقية أجزاء كردستان ولكن لو تم خيار الكرد وعن طريق استفتاء ديمقراطي، وتحت إشراف دولي في الأجزاء الأخرى، بين البقاء تحت سلطة الحكومات التركية والفارسية والعربية والانضمام إلى الدولة الكردية في جنوب كردستان، لاختار غالبية الكرد دولة كردستان الديمقراطية وذات السيادة دون شك. فهل هناك كرديّ عاقل يريد البقاء تحت رحمة أنظمة فاشية وارهابية سلبته كل شيء؛ بدءا من الحقّ في الحياة, وخنقته بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية، مرورا باللغة الأم وحتى الارض التي يعيش عليها؟؟
المبررات القانونية: لست في وارد الاستشهاد بنصوص ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 الذي ينص على إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام, ناهيك عن النصوص الواضحة في العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية للإنسان لعام 1966, أو القرارات العديدة الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تصبّ في نفس المنحى. المواد 62،63،64 من معاهدة “سيفر” لعام 1920 التي تنص صراحة على قيام دولة كردية مستقلة بعد فترة انتقالية مدتها ستة أشهر. إقامة دولة كرديّة هي حقّ أساسيّ وجماعيّ من حقوق الكرد يستند على معاهدات واتفاقات الشرعية الدولية مكتوبة وليست مجرد عرف شفهيّ.
المبررات الاقتصادية: كردستان غنية سواء بالموارد البشرية أو الطبيعية، من مياه ونفط، ثروات معدنية وأراضي زراعية خصبة قادرة على تأمين الرخاء الاقتصادي والنمو السريع في مداخيل السكان لو تم الاستفادة منها بشكل عصريّ مبرمج وخلاق وانطلاقا من احتياجات السكان, والطفرة الاقتصادية الهائلة في اقليم كردستان بالرغم من الحصار الاقتصادي والحروب المتواصلة ضده خير دليل على ذلك.
المبررات القومية: إقامة دولة كردية مستقلة سوف تكون بمثابة صمّام أمان وحصن منيع أمام حملات الإبادة والقمع الممنهج والصهر والذوبان. الكرد كقومية تعيش على أرض الآباء والأجداد، محاطون بدول معادية وذات ماضي امبراطوري، توسّعي واستعماري طويل. إذاً هم مهدّدون في وجودهم بشكل مباشر والدولة هي أحد عوامل القوة التي سوف تحميهم من الفناء والهلاك. عدم قيام دولة كردية يعني اندثار الكرد وزوالهم من الخريطة الأثنية للعالم وفي فترة زمنية لن تطول وهذا في حكم المؤكد. فالدولة الكردية هي الحاضنة التي سوف تلمّ شتات الكرد على أرض كردستان وحمايتهم بكافة الوسائل الشرعية.
المبررات السيكولوجية : يعاني الكرديّ من عقدة النقص – شئنا أم أبينا- بسبب غياب الدولة الكردية والتي تعرف في علم النفسأيضا بالدونية”Inferiority Complex) ” ويعرّفها ألفرد أدلر وهو أحد أبرز علماء النفس والمنظّر لعلم النفس الفردي بأنها – أي الدونيّة – شعور يحدو بالمرء إلى الإحساس بأن الناس جميعاً أفضل منه في شيء أو آخر) أليْس الحرمان من التعلم باللغة الأم مذلة وإهانة للكردي؟ ألا يشعر الكرديّ بسبب غياب علم كردستان أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك أن الناس جميعا أفضل منه في كل شيء؟ وماذا كان شعور الفلاحين الكرد في غربي كردستان عندما سلب منهم نظام البعث الفاشي والعنصري في دمشق أراضيهم بقوة السلاح وسلّمها إلى الفلاحين العرب من ضواحي الرقة؟ هل هناك ما هو أشدّ وطأة واذلالاً عندما يخاطبك “ديريّ” عنصريّ ماهي هذه اللغة الغجرية التي تتكلمون بها؟
هذه وغيرها من الأسباب تترك على سيكولوجية الكردي ونفسيته آثارا سلبية للغاية وتجعله يصاب بشتى العقد النفسية ولاسيما مرض الكآبة وغيرها.. الدولة الكردية المستقلة هي الطبيب الذي يشخّص المرض ويقدم العلاج الصحيح والناجع لعلاجه وشفاءه.
مبررات سياسية: اقتنع العالم وبعد المعارك الضارية مع قوى الارهاب من داعش وغيرها أن الكرد يدافعون نيابة عن العالم في سبيل قيم الحرية، الديمقراطية وحقوق الانسان. بل حدث لدى العالم الحرّ قناعة راسخة أن الكرد هم عامل استقرار لاستتباب الأمن والازدهار في هذه المنطقة الساخنة جدا والتي تفننت وأبدعت في صناعة الدكتاتوريات والارهاب والأنظمة الفاشية على نمط هتلر وموسوليني وفرانكو.
بناءً على ما قيل أعلاه فأن بناء الدولة الكردية المستقلة سوف يعيد إلى الكردي انسانيته وكرامته المسلوبة ويخلّصه من العقد النفسية المتراكمة، كما سيحرّره من العوز والفقر وتأمين عوامل التطور الاجتماعي والثقافي له. بناء هذه الدولة ليس لمصلحة الكرد فحسب، بلْ ينسجم مع مصلحة العالم المتحضر والديمقراطي ومن منظور استراتيجي قبل كل شيء.
*حقوقي ومتخصّص في القانون الدولي العام، ورئيس الجمعية الكردية لحقوق الانسان في النمسا
نشر هذا المقال في العدد (47) من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/7/2016
التعليقات مغلقة.