“زاوية حادّة” الحسكة … خبز الدم

61
ابراهيم خليل 1
إبـراهيــم خـليــل

الحياة – وهي أول مبذول ﻷول مجتدي – هبة لا تتطلب جهدا ولا استحقاقا، والموت عقوبة جماعية لا تشترط ذنبا ولا تحول دونها شفاعة, أما ” معرفة سبب العيش ” فليست هبة ولا تنال بالاستجداء بل مجهود إنساني قوامه الفكر والاجتهاد، ومن لا يعرف لماذا يعيش لن يعرف بالتأكيد لماذا يموت.

لماذا تعيش؟ واﻹجابة اﻷكثر سذاجة وعمقا في الوقت نفسه هي: ” ﻷنني خلقت”. وما دام اﻹنسان قد خلق ورجحت فيه كفة الوجود على كفة العدم فلا بد له ولا خيار أمامه سوى أداء هذا ” الواجب ” ومتابعة هذا العيش تبعا للشروط التي يفرضها عليه مكان ولادته. أما اﻹجابات المحتملة اﻷخرى والناتجة عن التدبر وإعمال الفكر فهي :

– أنا أعيش ﻷعبد الله ﻷن الحياة الدنيا ظل شجرة لا يلبث أن يزول والعاقل الفطن يعمل ﻵخرته لا لدنياه

– أنا أعيش ﻷسعد الناس وأخدم المجتمع وأترك فيهم أثرا طيبا بعد وفاتي

– أنا أعيش ﻷستمتع بملذات الحياة وكافاتها الثلاث ولا شأن لي بالديانات واﻷوطان ولا بهواجس الموت واﻵخرة

– أنا أعيش ﻷموت ومن اﻷفضل أن أموت شهيدا في سبيل ديني أو قوميتي.

لماذا تموت ؟ واﻹجابة اﻷكثر سذاجة وعمقا في الوقت نفسه هي : ” ﻷن كل إنسان يجب أن يموت “. واﻷمر الطبيعي أن يهرم اﻹنسان ثم يشيخ ثم يموت لا تخلده اﻷدعية ولا العقاقير ولا التماثيل.  لكن اﻹنسان وهو أكثر كائن حي عبث مع الطبيعة ولعب بسننها قد أضاف إلى الموت الطبيعي ميتتين غير طبيعيتين اﻷولى هي القتل ( ليس بغرض اﻷكل ) والثانية هي الانتحار ( ليس بدافع اليأس ).

في السلم، يقتل اﻹنسان إنسانا يعرفه لدوافع مختلفة ( الثأر، الشرف، الطمع، الخوف … ) حفاظا على النفس أو المال أو اﻷرض أو العرض أما في الحرب فيقتل بشرا لا يعرفهم بل يعرف حق المعرفة أنهم أبرياء ولا حق له في قتلهم لكنه يقتلهم فقط ﻷن ثمة من فحّ في أذنيه أنهم أعداء ويجب أن يموتوا.

والميتة الصناعية الثانية هي الانتحار أو العمليات الانتحارية وهي من بدع الحروب البشرية وتقتضي أن يتحزم أحد المتطوعين – ممن لا يعرفون لماذا يعيشون – بحزام ناسف ( فينغمس ) بين صفوف اﻷعداء أو بين السكان المدنيين في مدينة العدو فيفجر نفسه ليموت – دون أن يعرف لماذا يموت – ويميت معه عشرات وربما مئات ممن ساقهم سوء الحظ أن يكونوا قريبين منه في تلك اللحظة القدرية.

يموت الانتحاري مقتنعا حتى اللحظة التي يصرخ فيها ” الله أكبر ” بأنه ذاهب إلى الجنة خاصة إذا اختار يوما مناسبا هو وقفة عيد الفطر وساعة مناسبة هي ساعة اﻹفطار حيث آلاف المآذن على اﻷرض تردد صدى صرخته وحيث الرسول والصحابة والتابعون واﻷولياء والشهداء والولدان والحوريات في السماء متحلقون حول سفرة الطعام بانتظار قدومه.

أما البؤساء ( المرتدون ) الذين تسبب بقتلهم على اﻷرض وحرمهم من اﻹفطار ومن فرحة العيد مع عيالهم فلا مكان لهم على السفرة السماوية وإن كان لكل منهم شكوى يقدمها ضد ” نوبل ” في محكمة اﻵخرة حيث لا يضيع حق.

الحسكة خبز الدم ومنحوتة خيمة العزاء ولوحة ” اﻹفطار اﻷخير ” في رمضان الثورة السورية … لروحك السلام

نشر هذا المقال في العدد (47) من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/7/2016

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n117

التعليقات مغلقة.