الفيدرالية وملهاة الحوار الكردي

36

” لعلي بعد كل هذا لا أستطيع أن أقول أني متفائل ولكن مع ذلك أشعر بالأمل عندما أرى نهاية سيطرة الأجيال المترددة والتي لم تتقن سوى إطلاق الشعارات، ووضع استراتيجيات لا تملك اي أمل في النجاح”

1مصطفى عبدو
مصطفى عبدو

يكثر الحديث اليوم عن الفيدرالية.. هذه التي بدأت تستأثر باهتمام كبير في الآونة الأخيرة وأصبحت تشغل حيزا كبيراً في جدول أعمال الكثيرين، ولا سيما في ظل الأزمات المتعددة التي نتخبط بها. والسؤال الذي يطرح نفسه هل بالإمكان تطبيق هذا المفهوم في روجآفا وسوريا أو بالأحرى في أي بقعة من الشرق الأوسط؟ مع ملاحظة إن ما يزيد عن 40%من سكان العالم يقطنون في دول فيدرالية ومع ذلك فإن خيار الفيدرالية يبقى من الخيارات المتاحة للشعوب كنوع من أنواع الحكم، ولا بد من ظروف موضوعية تساعد على تطبيقها .ظروف يحكمها التفهم والطوعية من قبل جميع مكونات المجتمع المتعايش وفئات الشعب، فهل طرحها في روجآفا سيكتب لها النجاح؟
ما لفت انتباهي مؤخراً الندوات والمحاضرات التي تلقيها أو تقيمها العديد من المنظمات والأحزاب الكردية في روجآفا حول مشروع الفيدرالية والمفاهيم المرتبطة بها، وكذلك هندسة السلطة في النظام اللامركزي السياسي والفيدرالي والإطار المنطقي في تصوير هذا النوع من الحكم. لقد تسنى لي أن أحضر إحدى هذه المحاضرات ومشاهدة احتدام معارك المداخلات بين الحضور أنفسهم عن قرب، لم أدع لمثل هذه المناسبة (متعة الحضور) أن تفوتني.
في الحقيقة كان حواراً ليس بين المحاضر والحضور بقدر ما كان حواراً بين نوعين من الحضور جيل وجيل، ومن هنا كانت بداية التفكير بالكتابة عن هذا الموضوع (الفيدرالية وملهاة الحوار الكردي)، باعتبارها أصبحت أكثر المسائل إلحاحاً على الأقل بالنسبة إلى المواطن الكردي. في الحقيقة لسنا بحاجة إلى فهم الفيدرالية بقدر ما نحن بحاجة إلى فهم أنفسنا. تأسيساً على ذلك يمكننا القول أن تدبيج المقالات عن الفيدرالية وتنميق الدراسات حول فضائل الفيدرالية لن تكون ذات جدوى ما لم تزول أسباب الرفض الذي يملكه البعض.
لكن, أقول بأنه مهما كانت حجم العراقيل التي توضع لمنع الفيدرالية من الإشراق ومهما كان حجم الأفعال التي تبرز في وجه هذا الحدث الكبير، فأنها جميعها غير قادرة على وقف اندفاعها وتكونها كأداة جديدة للحكم يمكنها إزالة الخلل الذي أحدثته الأنظمة المتعاقبة. وبالعودة إلى الحوار المخالف الكردي-الكردي الذي مازال يراوح حول النقطة التي بدأ منها ويجهر الشارع بالشكوى باعتبار هذا الحوار لم يحقق أيّ تقدم وأي تقارب بين الأطراف المختلفة. وأجد بأن لشكوى الشارع الكردي ما يسوغها تماماً فقد بقيت الأطراف الرئيسية متباعدة، وظل زمام التقارب مرهوناً أساساً برغبة هذا الجانب أو ذاك. والواضح أنه ليس بين أي طرف من هو غافل عن نوايا الآخر.
ولابد هنا القول بأن حالة الانقسام وضعف البنية المؤسساتية والغموض في المواقف السياسية لدى البعض أدى إلى ضعف القدرة على التحشد الجماهيري الكردي، ويضاف إلى ذلك عدم الإدراك بأننا فعلاً انتقلنا إلى مرحلة جديدة وبشكل متسارع. نعم، نحن إزاء مرحلة جديدة، مرحلة ربما هي الأصعب في تاريخنا، حيث تزداد فيها الحاجة إلى التفاهم والتناغم، وبات لزاماً علينا أن ننفصل تماماً عن المراهنات وعلى الثقل الخارجي واللهاث خلف ضمانات دولية وإقليمية هشة، أضعنا من خلالها الكثير من وقتنا واستنزفنا شعبنا مراراً ومراراً، فنحن الآن أمام خيار وحيد وهو القيام بمراجعة شاملة، والتجديد في الخطاب السياسي وإبراز هويتنا الوطنية وحقوقنا السياسية ومواجهة محاولات شدنا إلى صراع يغير جوهر قضيتنا وتهيئة أنفسنا لتحديات المرحلة الجديدة وتوسيع المشاركة الجماهيرية. باختصار دقت ساعة المراجعة والتقييم وعلينا جميعاً الوقوف عندها وإجراء الموازنات الوطنية، فلا مفرّ أمام الكرد أينما وجدوا من حسن الاستجابة، ومواجهة التحديات الراهنة، والنزول عند مقتضيات المصلحة العامة، والوفاق والتوافق ولو بحده الادنى. ومن هنا تنهض مسؤولية المثقفين الكرد كي يتدخلوا ويبذلوا جهدهم في إخلاص لا يعرف التحيز والانفعال الشخصي والمكاسب العارضة، ليساعدوا على كشف الغبار المنعقد على مفارق الدروب الكردية. فالمطلوب اليوم من المثقف وضع مشاريع لبناء الهيكل الكردي حسب رغبة الجماهير ومواجهة عوامل الفرقة لا المشاركة في اتساعها. لعلّي بعد كل هذا لا استطيع أن أقول أني متفائل ولكن مع ذلك أشعر بالأمل عندما أرى نهاية سيطرة الأجيال المترددة والتي لم تتقن سوى إطلاق الشعارات، ووضع استراتيجيات لا تملك أي أمل في النجاح، أشعر بالأمل عندما أرى المثقف الكردي يشارك ويساهم فعلياً في وضع استراتيجيات الوطن ويحمل آمال المجتمع الكردي ومستقبله ربما إلى النور.

نشر هذا المقال في العدد (46) من صحيفة Buyerpress  تاريخ 1/7/2016

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n116

التعليقات مغلقة.