هل يقود أنس العبده بشمركة روجآفا
أثارت تصريحات رئيس الائتلاف السوري لقوى المعارضة أنس العبده أثناء زيارته إلى إقليم كردستان العراق, حيث صرح بضرورة دخول بشمركة روجافا, موجة من ردود الفعل بين المؤيدة والمعارضة, والباعثة على الارتياح أو الانزعاج.
تصريحات العبدة لم تكن الأولى من نوعها التي تصدر من قادة الائتلاف السوري, فسبق أن شكر كل من أحمد الجربا وخالد خوجا وغيرهم خلال زياراتهم للإقليم, تلك القوات على ما قدموه في دحر الإرهاب عن أراضي إقليم كردستان. تأييد والتفاف قادة الائتلاف حول قوات بشمركة روج لها العديد من الدلالات والشروحات منها:
1- من جهة أثارت نوع من الارتياح حول تفهُّم الائتلاف لجزء من حقوق الكرد في وجود قوة عسكرية تحميهم من أي طرف يمكن أن يسلبوا حرية الأراضي الكردية في سوريا. لكنها في الوقت عينه أثارت موجة من الاستهجان والاستفسار حول قبول/عدم قبول الائتلاف لمشروع الفدرالية المطروح من قبل المجلس الوطني الكردي من جهة, ومن جهة ثانية هل ستكون هذه القوات قوات كردية تحمل الاسم نفسه /بشمركة/ أم سيصار إلى دمجها في الجيش السوري المزمع تأسيسه كجيش وطني سوري سواء في هذه المرحلة أو المراحل المقبلة.
2 – منذ توجُّه الثورة السورية إلى العسكرة, ومن المرجح أن ثمة اتفاق بين الأطراف الكردية والجهات المسلحة وعلى رأسها الجيش الحر في عدم دخولهم إلى المناطق الكردية في سوريا, وهو ما ينفي أية حاجة لتواجد تلك القوات في كردستان سوريا في ظل وجود جيش كردي, أو مجموعة كبيرة من الشباب والشابات الكرد المتدربين تحت اسم بيشمركة روج, وهم المعنيون أكثر من غيرهم في الدفاع عن مناطقهم وقراهم وبلداتهم, لكن الطلب من البشمركة الدخول إلى سوريا وفي هذه الظروف بالتحديد يحمل معاني ورسائل سياسية موجهة من وإلى جميع الأطراف المعنية بالعملية السياسية والحالة العسكرية في سوريا:
1 -على أي أساس ستدخل البشمركة إلى مناطق مثل أدلب, اعزاز, رقة, منبج..غيرها, دون أي اتفاق سياسي واضح يمنح مقابل دخول تلك القوات إلى مناطق من المرجح جداً أنها لن تكون حاضنة اجتماعية لهم في ظل تفاقم خطاب الكراهية المتبادل بين أغلب أطراف المعارضة السورية وحزب الاتحاد الديمقراطي, والذي ينعكس بدوره على مجمل المزاج السوري العام تجاه الوجود الكردي لأسباب عديدة. وفي حال الاتفاق المذكور أعلاه, فإن تواجد قوات كردية في مناطق عربية بالكامل كادلب أو بمعظمها كالرقة سيعقد المشهد السياسي والعسكري سواء في تلك المناطق أو لدى ذوي العساكر أو الشارع الكردي بمجمله.
2 -على سبيل المثال, معركة الموصل لم تتحدد ملامحها ومناطق انتشار القوات العراقية والبشمركة إلا بعد مفاوضات ومباحثات واتفاقات أشرف عليها الأمريكان وجمعت الكرد وباقي المكونات في العراق خاصة مكونات الموصل ووجهائها, وكانت تصريحات الرئيس مسعود البارزاني واضحة في هذا المجال حول عدم مشاركة البشمركة في تحرير الموصل ما لم يكن للكرد دور في مرحلة ما بعد تحرير الموصل, وهي الحالة ذاتها التي ستُسحب على بشمركة روج لجهة النطاق الجغرافي الذي ستدخل فيه وتحت أي عنوان, خاصة وأن الغالبية العظمى من تلك القوات هم من مناطق ( الحسكة, عفرين, كوباني) وفي حال دخول هذه القوات فإنها ستسعى للدخول إلى المناطق المذكورة كتمركز رئيس وواضح, وحين توقيع الاتفاق بين مكونات وشرائح المعارضة السورية, سيكون من واجب بشمركة روج المشاركة في أي معركة تحت سقف الدولة السوريّة الاتحاديّة.
3-الأمر الأصعب يكمن في موقف قوات سوريا الديمقراطية أو حزب الاتحاد الديمقراطي, الدخول يجب أن يسبق باتفاقيات لكن ليس فقط مع الائتلاف, بل ثمّة وقائع لابد من إيجاد صيغ مناسبة وتوافقية لها, ما لم يتم الاتفاق المجلس الكردي و حزب الاتحاد الديمقراطي فإن دخول تلك القوات ستجلب كوارث وخيمة للكرد, ولسوريا وللواقع العسكري المفروض على مجمل الرقعة الجغرافية السورية
4 -ثمّة استفسار أو استغراب سوري حول تصريحات أو رغبات الغطاء السياسي الكردي لبشمركة روج, المتمثل بالمجلس الكردي, والمطالب باتفاقية تسبق دخول تلك القوات, لكن خصوصية وطبيعة المجتمع الكردي من جهة, وارتفاع ثقافة العنف بين الكرد والعرب من جهة ثانية, ومن جهة ثالثة إصرار حزب الاتحاد الديمقراطي على عدم دخول البشمركة إلى سوريا يصعب الموقف على الطرف السياسي والعسكري الكردي كثيراً, وترتفع وتيرة الحسابات وإبعاد شبح الحرب الأهلية الكردي- الكردي أو العربي – الكردي عن سوريا
من جهته صرح مستشار مجلس أمن إقليم كردستان مسرور البارزاني لصحيفة واشنطن بوست عن عدم وجود أي موانع منطقية لمنع وحدات الحماية الشعبية لقوات بشمركة روجآفا من العودة إلى مناطقهم والدفاع عنها, وضمن السياق ذاته فأن مسرور البارزاني دعا إلى دعم هذه القوات والعمل على إعادتها إلى مناطقها الأصلية, ونفى أن يكون لها أي صلات أو علاقات مشبوهة.
إلا أنْ هذه المسألة تثير جدلاً وحساسية واسعة وبالغة لدى قيادة الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي بحجة الخوف من حدوث اقتتال داخلي فيما لو تواجدت قوتان عسكريتان كرديتان في هذه المناطق.
الموضوع لا يتوقف عند هذا الحد من تبادل التصريحات أو الرغبات أو الزيارات, فالمنطقة المتاخمة للحدود التركية في جرابلس وإعزاز تُعتبر من المناطق الأكثر حساسية وخطورة, لدرجة أنّ الدولة التركية قد ترى نفسها مضطرة للاجتياح العسكري للمنطقة, فيما لو رأت أن القوة الوحيدة المحاربة هناك هي قوات سوريا الديمقراطية وبشكل خاص قوات الحماية الشعبية, لما تشكل هذه القوات من حساسية عالية لدى الأمن القومي التركي.
الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد والتأزم في المواقف بين الكتائب السورية على اختلاف تسمياتها وقوات سوريا الديمقراطية, وبين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي, وبين المعارضة السورية والمجلس الكردي, وبين مستقبل بشمركة روجافا وباقي التشكيلات السورية المسلحة, وهو ما يلقي بنتائجه السلبية بشكل مباشر على العلاقة بين المجلس الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي.
الوضعية المتشكّلة من تشابك وتقاطع المصالح والكوارث والسلبيات بين مختلف الجهات العسكريّة والسياسيّة, ورفض المجلس الكردي لطلب الأستاذ أنس العبده لزج البشمركة في معركة غير محمودة العواقب, وخاصة لجهة الاقتتال الكردي – الكردي, والعربي- الكردي, يرفع من مستوى الواجبات الملقى على كاهل حزب الاتحاد الديمقراطي للإقدام على مبادرة حسن نية أو رداً على موقف الإقليم وموقف المجلس الكردي والمساهمة في تهيئة الأرضية المناسبة لنزع فتيل أي نزاع داخلي, وما على حزب الاتحاد الديمقراطي سوى طلب تفعيل الاتفاقيات السابقة المبرمة بين الطرفين الكرديين في هولير بثنائيته ودهوك الأخيرة, أو العمل على اتفاقية جديدة يضمن مشاركة الجميع ويضمن تواجد بشمركة روج إلى جانب قوات الحماية الشعبية تحت قيادة موحدة, وهو ما يضمن السلام والأمن في المنطقة الكردية, وما يساعد في أداء القوات الكردية لواجبهم تجاه العمق السوري, ويخفف الاحتقان والكراهية, ويهيأ الطريق للدخول إلى جرابلس وإعزاز بدرجات أقل من حسابات الحساسيّة الإقليميّة والمحلية.
نشر هذا المقال في العدد “46” من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/7/2016
التعليقات مغلقة.