الغرب الآن ونظرته للقضية الكردية
” تبقى المسألة الكردية خارج نطاق اهتمامات السياسة الغربية بالغرب من أنّ قوة الكرد العسكرية أصبحت في صميم تلك الاهتمامات إلا أن هذا لا يعني بأنهم سيدعمون حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في المرحلة الحالية ولا توجد على أجندة الدول الغربية أية بوادر يمكن التكهُّن منها بأنّ للغرب سياسة واضحة تجاه الكرد”.
حسين عمر
منظار الاتحاد الأوربي للقضية الكردية قديم جدا قدم الاتفاقيات الاوربية مع دول المنطقة، لا ترى منها إلا ما يخصّ حماية مصالح قائدتها – الولايات المتحدة الامريكية – وبهذا يعتقد الاتحاد بأنه يحافظ على مصالحه وتواجده في المنطقة، ولأن الكرد لم يشكلوا قوة مستقلة في يوم من الأيام لأجل استقلال بلدهم بل وقفوا على الدوام مع سلطات الدول المحتلة لكردستان إلا فئة قليلة لم يكن لها ذلك التأثير الذي يمكن أن يغير من سياسة الغرب في أخذ مصالح الشعب الكردي بعين الاعتبار.
استمرت هذه الرؤية والموقف الأوربي من القضية الكردية منذ عهد الاستعمار الذي قسّم أرض الكرد من جزأين إلى أربعة أجزاء بضمّ الجزأين الجديدين إلى دول كونتها الدول الاوربية وحددت لها حدود رسمية حسب أصحاب القرار وحميمية علاقاتهم مع القوى والعوائل التي كانوا يعتقدون بأنهم سيمثلون مصالحهم وسيبقون تابعية ينفذون أوامرهم حتى ولو عادوا إلى أوطانهم. ولهذا أعادوا السلطة في الدول الحديثة التكوين إلى العائلة المنسوبة إلى سلالة النبي محمد مؤسس الدولة الإسلامية. في محاولة لإعادة الترتيب وترسيم الحدود في المنطقة وبالفعل كان للعديد من زعماء العشائر والشخصيات الكردية المعروفة ظهور واضح إلى جانب هذا الرأي الأوربي الذي تحول فيما بعد إلى واقع استبعد من خلاله الشعب الكردي من ممارسة حياته الحرّة وتكوينه الحر دون أن يكون للأوربيين أدني شعور بالمسؤولية أو الذنب في تمزيق شعب له مكوناته ومناطق استقراره ولغته لا بل شاركوا في إخماد بعض الأصوات التي نادت باستقلال كردستان وألغوا العديد من التعهدات التي قطعوها لأجل حلّ عادل لقضية شعب يعيش على أرضه منذ مئات السنين.
ومنذ ذاك التاريخ رسم الاوربيون ومعهم الامريكيون خارطتهم الشرق الأوسطية من خلال خلق التوازنات بين الدولتين الأساسيتين واللتين كانتا تسيطران على كامل الشرق الأوسط – إيران وتركيا – مع دعم الدول العربية – السعودية بشكل خاص – ومنها سوريا والعراق التي ألحقت بكل منهما عند الانشاء جزء من كردستان الطبيعية.
لم تغيّر الثورة المستمرة في كل أجزاء كردستان من نظرة الغرب إلى المسألة الكردية ولم تحرك فيهم أي شعور إنساني للوقوف على ماهية تلك المسألة التي هم أحد أهم صناعها. لابل رددوا دوما بأن الحدود المرسومة مقدسة ووحدة الأراضي السورية التركية الإيرانية العراقية غير قابلة للتغيير, مما كان يدفع بالسلطات الحاكمة في تلك الدول على زيادة إجراءاتها الوحشية ضد الشعب الكردي. حتى في حالة الأمر الواقع الذي حصل بعد إعلان الحرب على صدام وإخراجه من الكويت من قبل التحالف الدولي وقيام انتفاضة كردية أدت إلى اعلان الفدرالية الكردية لم تعترف أية دولة غربية بالحقوق الطبيعية التي استرد الشعب الكردي في باشور جزء منها حتى إسقاط صدام وتثبيت الفدرالية في الدستور العراقي الجديد ووضعوا الكثير من العوائق في طريق تحقيقها من خلال منع السلطة الكردية الحديثة التكوين من بسط سيطرتها على كامل أراضي باشوري كردستان وإصرار أمريكا والغرب على عراقية كركوك وخانقين وشنكال. ما زالت هذه المناطق بالرغم من السيطرة الكردية عليها إلا أنّها لا تتبع رسميا للفدرالية ولا تنطبق عليها قوانين الإقليم الفدرالي الأمر الذي يوضح رؤية الغرب للمسألة الكردية والتي ما زالت مستمرة بشكلها القديم حتى الآن.
بعد تصاعد الحرب الأهلية في سوريا والظهور الواضح للميول الإسلامية الراديكالية للمجموعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري ظهرت وحدات حماية الشعب كقوة مسلحة وضعت على رأس أهدافها حماية أراضي روجآفا وسكانها من الغزوات البربرية التي كانت وما زالت تلك المجموعات تقوم بها. هذه الوحدات الذي أصبحت بمثابة اسطورة المقاومة ضد الغزو الجاهلي في كوباني حركت لدى الغرب إمكانية التعامل مع هكذا قوة بالرغم من العداء التركي الشديد ومحاولة حكومتها منع ذلك. إلا أن تقاطع المصالح العليا للدول الغربية مع النهج الواضح للقوة الكردية والتي تتمثل في مقاومة الإرهاب والحرب ضده في محاولة لدحره أو إضعافه وإبعاده على اقل تقدير، حدا بدول التحالف الغربي الإعلان رسميا بجعل تلك القوات قوة حليفة ساندتها جوا وفي الفترة الأخيرة برا أيضا
لكن هذا التطور العسكري لم يلقَ صدى له في الرؤية السياسية الغربية التي بقيت مكبلة برؤيتها التاريخية على أساس تعاملها مع الأقوى بالرغم من ظهور بوادر محاولات غربية للتعامل مع قضية الشعب الكردي بمنظور جديد يأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجوده كشعب يعيش على أرضه التاريخية لكن هذه الرؤية ما زالت قيد التكوين يعمل عليها العديد من مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام إلى جانب بعض السياسيين من مختلف مسارب الطيف السياسي الغربي.
تبقى المسألة الكردية خارج نطاق اهتمامات السياسة الغربية بالغرب من أنّ قوة الكرد العسكرية أصبحت في صميم تلك الاهتمامات إلا أن هذا لا يعني بأنهم سيدعمون حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في المرحلة الحالية ولا توجد على أجندة الدول الغربية أية بوادر يمكن التكهن منها بأن للغرب سياسة واضحة تجاه الكرد.
تتصدع الدول الأوربية وتتغير حدود دولها باستمرار إلا أنها لا تسمح ولا تقبل بأي تغيُّر على الحدود المصطنعة التي هي رسمتها. إنها إحدى جوانب السوداوية في صفحات الدول الغربية.
نشر هذا المقال في العدد “46” من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/7/2016
التعليقات مغلقة.