“حَوَلْ” العقل السياسي الكردي

30
جوان يوسف1
جوان يوسف

“حالة التشظي والعرج تظهر بوضوح أكثر في الحالة الكردية السورية، إذ أن الانقسام الحاصل عميق لدرجة أن أنصار السيد مسعود البارزاني لا يستطيعون رؤية تحالفه مع تركيا تشوبه أية شائبه،  ومنع رئيس برلمان كردستان من دخول هولير عاصمة الإقليم، بعد الخلاف مع حركة كوران، ليس إلا ممارسة عادية، واستخدام بشمركة روج وهي القوات الكردية السورية، في حربها ضد داعش او في تعزيز قدرات الإقليم القتالية إلا حقا طبيعيا للإقليم،  واستخدام الإقليم للعنف ضد المتظاهرين ليس إلا حماية للإقليم ضد الخونة والمرتزقة اللذين يريدون تقويض تجربة الإقليم الديمقراطية”.

” في الضفة الأخرى، أقصد ضفة الاتحاد الديمقراطي(PYD)، التحالف مع تركيا أو مع الإقليم الكردستاني أو التحالف مع قوى المعارضة السورية خيانة قومية وتنفيذ للأجندة التركية، بينما مبرر لديه التحالف مع النظام السوري، ورفض دخول قوات البيشمركة إلى سوريا بحجة منع الاقتتال الكردي ـ الكردي، واعتقال النشطاء واغلاق مكاتب الأحزاب وكم الأفواه والحريات وفرض الإرادة مبرر لديه بل انها تخدم المصلحة الكردية ومصلحة الادارة الذاتية الكردية”..  

إن أكثر ما يثير الدهشة والألم في “العقل السياسي” الكردي الرسمي وغير الرسمي  هو هذا الحَوَل الطاغي في سلوكه وممارسته؛ فعندما يكون ديمقراطياً, وهو غالبا ما يدّعي ذلك، لا يكون ضد الاستبداد في كل مكان، وقد يتحالف مع المستبد أو يبرر للاستبداد هنا وينفيه هناك، وبطبيعة الحال يتعامل مع حقوق الناس بالمفرق بطريقة “الخيار والفقوس” فنجده يتمسك بحق ويترك حقوقاً.

كي أكون منصفا لابد من القول أن هذا الحَوَل والعَرج لا يُخص به “العقل الكردي” لوحده فهو من السمات الأساسية للعقل الشرقي عموما، الأسير في المنطقة الفاصلة بين الحلم والواقع، هذه المنطقة التي تركته ساكنا في الوهم والغيبوبة، فهو لا يعترف بالفشل والإخفاق وان حدث، يعزيه إلى العوامل الخارجية، رافضا الاعتراف بالقصور الذاتي، مما يجعله مولداً للأوهام بشكل مستمر ومستندا إلى ماضٍ متخيّل غالبا لا يكون له مصدرا في الواقع.

فما هي دلالات هذا الحَوَل في العقل السياسي الكردي؟ لن أتناول هنا الأفراد، وبطبيعة الحال ليس للكرد مؤسسات رسمية بفعل غياب الدولة، إذا ما استثنينا الحالة الخاصة في إقليم كردستان العراق، وإنما أتناول الشريحة المهتمة بالشأن العام وهذا يشمل الأحزاب والمنظمات فهي الأكثر دلالة في هذا المقام لأنها الأكثر تعبيرا عن ذاتها , وهي تخوض صراعا يوميا من أجل ذلك.

ليس من عذر، مثلا، أن تطالب بالديمقراطية، وإحدى أهم مخرجاتها أو أدواتها تداول السلطة، فيما تتربع على عرش قيادة الحزب أكثر من نصف قرن، وتلجأ إلى تبرير ذلك بنفاق فكري وعقائدي،  وليس من عذر أبدا أن تنتهك القواعد العامة للحياة الحزبية او البرلمانية،  وقد ساهمت في صياغتها، وفق أي ظرف كان إلا إذا كنت تنحو باتجاه تعزيز قيم الاستبداد والاستفراد بالسلطة، وهذا مختلف عما سأتناوله، بطبيعة الحال، لأن سؤال الاستبداد والتسلط له مقام آخر غير الذي أبحث فيه.

حَوَل العقل هذا يتجلي فيما هو قائم حاليا في حالة التخندق والعدائية بين أنصار السيد مسعود البارزاني والسيد عبد الله أوجلان، فكلا الطرفين لايستطيعان إلا رؤية حقه في ممارسة التحالف مع الأنظمة الغاصبة لكردستان فيما ينفيه عن الطرف الآخر، وتتوسع المنطقة الساكنة لتأخذ حالة غيبوبة تامة عن رؤية اللوحة كاملة.

حالة التشظي والعرج تظهر بوضوح أكثر في الحالة الكردية السورية، إذ أن الانقسام الحاصل عميق لدرجة أن أنصار السيد مسعود البارزاني لا يستطيعون رؤية تحالفه مع تركيا تشوبه أية شائبه، ومنع رئيس برلمان كردستان من دخول هولير عاصمة الإقليم، بعد الخلاف مع حركة كوران، ليس إلا ممارسة عادية، واستخدام بشمركة روج وهي القوات الكردية السورية، في حربها ضد داعش او في تعزيز قدرات الإقليم القتالية إلا حقا طبيعيا للإقليم، واستخدام الإقليم للعنف ضد المتظاهرين ليس إلا حماية للإقليم ضد الخونة والمرتزقة اللذين يريدون تقويض تجربة الإقليم الديمقراطية.

فيما يرى هؤلاء قتل المتظاهرين واعتقال نشطاء جريمة، وهي كذلك، لكن في كلا الحالتين ومن كلا الطرفين.

بينما تجنيد شباب الكرد في روجآفا، كما يسميه أنصار PYDلمواجهة داعش وحماية المنطقة الكردية من تمدد داعش, والأخذ بهم في سياق تحالفات دولية وإقليمية مرفوضة، كذلك الامر بالنسبة للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا هو تحالف ضد المصلحة الكردية.

في الضفة الأخرى، أقصد ضفة الاتحاد الديمقراطي، التحالف مع تركيا أو مع الإقليم الكردستاني أو التحالف مع قوى المعارضة السورية خيانة قومية وتنفيذ للأجندة التركية، بينما مبرر لديه التحالف مع النظام السوري، ورفض دخول قوات البيشمركة إلى سوريا بحجة منع الاقتتال الكردي ـ الكردي، واعتقال النشطاء واغلاق مكاتب الأحزاب وكمّ الأفواه والحريات وفرض الإرادة مبرر لديه بل انها تخدم المصلحة الكردية ومصلحة الادارة الذاتية الكردية..

الأمر لا يحتاج إلى الكثير من البراهين إن كلا الطرفين يعتمد على الأنظمة الغاصبة لكردستان وجمهور كلا الطرفين يدرك هذه الحقيقة، وفي علم السياسة والتفكير المنطقي الوقائع هي التي تفرض شروطها والضرورات تبيح المحظورات كما يقال.

بغضّ النظر عن من هو الأصح ومن الذي يخدم القضية الكردية ومستقبلها،  يتركز سؤالي حول هذا العقل الذي يبيح لنفسه ما ينفيه عن الآخر، في كلا الضفتين يتواجد جيش من المشتغلين بالشأن العام، ويعتبر صفوة المجتمع الكردي، يعيش حالة الارتباك الفكري والمعرفي في مواجهة الواقع ملتجئاً إلى النفاق والكذب أو متنقلا بين الضفتين بذات المستوى من الارتهان والغيبة بل أحيانا التطرف، وكثيرا ما يتحالف ويتماثل في خطابة وسلوكه مع نقيضه المفترض.

ولا حاجة إلى سرد مزيد من الادلة والبراهين على هذا الحول العقلي الذي يغلف الحالة الكردية السياسية، فهي لا ترى من الألوان سوى لون واحد تختفي خلفه جميع الَألوان الأخرى، ولذلك حالة العداء والانقسام في المجتمع الكردي السوري وصلت إلى ذروتها في اتهام كل طرف للآخر بأبشع الصفات وأقساها دون النظر إلى العوامل الموضوعية وطبيعة الصراع في سوريا والعوامل المحددة لها،  تصل في كثير من الأحيان إلى السؤال عن مصدر الفعل وعلى ضوء ذلك يكون الموقف بغضّ النظر عن صوابه، هذا هو الحَوَل الذي يجب أن تتخلص منه الحالة السياسية الكردية كي تستطيع أن تضع قدمها على السكة الصحيحة .

نشرت هذه المادّة في العدد 45 من صحيفة Buyerpress تاريخ 15 – 6- 2016

تتمة الحوار + مقالة

التعليقات مغلقة.