الاحتلال الكردي يهدد الرّقة الذبيحة!

198

فجأة اختفت الشكوى من حكم رجالات داعش وجرائمهم في الجغرافيات التي يطبقون السيطرة عليهم، هكذا حال الإعلام العربي هذه الأيام، فالرقة تحولت إلى قدس أخرى مهددة بالسقوط تحت براثن ” الاحتلال” وأي احتلال؟ إنه احتلال كردي بغيض أو كما وصف بعض نخبهم ” الأكراد ماسحي أحذية وعمال مطاعم وأغبياء بالفطرة” ، وها هم “الدواعش” اللطفاء، حاملي مشروع النهضة العربية، معرضون للهزيمة، على يد هؤلاء الكرد.

وليد خليفة
الكاتب وليد خليفة

الحقيقة ان استصغار الكرد والاستهانة بهم والحط من قدرهم عادة راسخة في الإعلام العربي، يندر أن يكتب عربي عن الكرد بوصفهم شعب مثل باقي شعوب المنطقة. التعالي والفوقية الذي يسيطر على لغة العرب حيال الكرد، يجعل من مناقشة أي موضوع يتصل بالشأن الكردي مثيرا للتقزز، تظنه يابانيا حين يتحدث عن تخلف الكرد التكنولوجي. وإسرائيليا حين يكون الحديث عن التحالفات التي يقيمها الكرد.

عن التحالف الكردي مع القوات الأمريكية لتحرير ريف “ولاية الرقة الإسلامية” ، يتحدث معظم الكتبة العرب، إنه تحالف مؤقت يستخدم فيه الأمريكان “الميليشيات” الكردية لتحقيق شيء على الأرض قبل انتهاء ولاية أوباما ويكملونها جميعا  بجملة رغبوية: “سرعان ما ستنقلب أمريكا عليهم” على أساس أن تحالفات العرب مع الأمريكي هي تحالفات استراتيجية متكافئة يستخدم فيها العربي الأمريكي لتحقيق مصالحه ومن ثم يتخلى عنه العربي فور تحقيق مصالحه. علما أن التحالفات الأمريكية أو الغربية عموما هي تحالفات قائمة على المصلحة وهي ميزة العالم الرأسمالي ولا ينقص الكرد الحنكة في معرفة ذلك والبناء عليه وإلا لوجدناهم في مقلب آخر كما فعلت النخب العربية السورية حين راهنت على تدخل أمريكي/ غربي لإنقاذهم من نظام بشار الأسد، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تجهيز المقدمات التي تجذب هذا الغرب للاستغناء عن نظام بشار والمراهنة عليهم.

ويتحدث العربي عن ديكتاتورية الأمر الواقع في “روزآفا”، في نشوة حديثه عن تلك“الديكتاتورية” المزعومة الناشئة يأخذك الظن بأنه تفوق على سويسرا في التجارب الديمقراطية التي عمت بلدانه أو مناطق النفوذ التي ينتمي إليها حتى لو كانت وسيلة إعلامية باهتة من تلك المنتشرة كالفطر في سماء العرب، والأنكى من ذلك، حين يأخذه الحماس ويضرب أمثلة على عنصرية الكرد والجرائم التي ترتكبها قواتهم بحق العرب، في الوقت الذي تحولت مناطق الكرد إلى مقصد رئيسي للعرب السوريين الفارين من جحيم العيش في المناطق “المحررة” تحت ظل الميليشيات الثورية من جبهة النصرة وجيوش الإسلام وأجناد الشام والحر والجبهة الإسلامية وما أنزل الله من مسميات تعتبر وجود الإنسان عورة على هذا الكوكب إلا إذا كان مشروع شهيد يحلم بالفوز بعشرات الحوريات ليشبع بها غرائزه الثورية.

المثير للفجيعة ، أن معظم الكُتّاب العرب، يضربون أمثلة في ذم الكرد على تغيير أسماء بعض القرى والمدن في “روزآفا”، متناسين أنهم يستعيدون أسماءها الأصلية التي يعرفونها قبل أن تستبدلها سلطة البعث السوري في ستينيات وسعبينيات القرن الماضي في موجة التعريب، حين حمل العروبيون أسماء مدن وقرى فلسطين إلى مناطق الكرد كتعويض عربي عن تحرير فلسطين.

وها هم السادة المثقفون، نخبة العرب في القرن الواحد والعشرين يستبدلون الكرد بإسرائيل ولكن بتعالِ ليس الخواء إلا إحدى صفاته الخفيفة، وبدلا من الاستشهاد بمشاركة المرأة الكردية في مقاومة مشاريع القتل والظلام، كسابقة تاريخية أولى في العالم الإسلامي، متخذينها كنقطة يمكن البناء عليها في الحلم بوطن قادم تتحول فيه المرأة والتي هي أكثر من نصف المجتمعات العربية من عيب وحرام وعبء إلى شريكة وقائدة وصاحبة مشروع البناء وحماية البلاد بعد أن فشل الرجال والمشاريع الذكورية في بناء أي شيء يُعتد به، تقوم هذه النخبة بالطعن في مشاركة المرأة الكردية بتكرار ممل لخيبة النخبة واستعدادها البدائي لمواصلة الانحدار بالعالم العربي حتى يتسنى لهذه النخبة مواصلة تعاليها الخاوي ونجوميتها الباهتة على انقاض مجتمعات مدمرة ومواصلة بؤسهم من عواصم الغرب عن عروبة ما أن يشرق شمس صباح حتى تسارع إلى إسدال الستائر لتكون سيدة الظلام على هذا الكوكب وبلا منازع.

“هنا صوتك”

التعليقات مغلقة.