الطريق الثالث لبناء الديمقراطية
حسين عزام*
“بالتزامن مع ما ذكر أن هناك نواة تعمل على توحيد الصفوف وتفرض نفسها خطاً ثالثاً داخل المجتمع وهي الفدرالية الديمقراطية, أن هذا النموذج يمكن أن يؤسس لسورية المستقبل , وقادر على تحفيز الوعي الجماعي لبناء العدالة الاجتماعية والتوزيع عبر التضامن الوطني, كما يمكنه أن يشكل بديلاً عن ثنائية المعارضة والنظام اللذان يشغلان مساحات داخل المشهد السياسي”.
في ظل فشل المبادرات السياسية لحل الأزمة السورية, فأن جميع المؤشرات تؤكد أن هناك مزيداً من التشرذم والفوضى سوف يشهده الواقع السوري. كما تؤكد أن مسار الحل السياسي ما زال بعيداً عن النضوج, مما يؤدي إلى إضافة انتكاسة جديدة في مسار الأزمة السورية على مستوى المعارضة, والقوى الفاعلة على الأرض, والنظام على حد سواء .
إن هذه الانتكاسات في الحل ستؤثر بدرجة كبيرة على الأرض وبخاصة لدى شعور الأطراف بأن الحل بعيد, وأنه من الأفضل اللجوء إلى وسائل ومقاربات أخرى, حيث إنه المعروف في تاريخ النزاعات أن جولات التفاوض الفاشلة غالبا ما تكون لها نتائج سلبية على الأرض, فعلى مستوى المعارضة يتوقع أن تترجم إلى مزيد من التشرذم والتفكك, وفي المستقبل سوف نشهد مزيداً من الفوضى والانقسام الحاد في ظل تهميش القضية السورية على المستوى الدولي لصالح الحرب على الإرهاب, ما سيؤدي إلى زيادة معاناة ومحنة الشعوب السورية, وبالنهاية فأن الحديث عن عمر افتراضي للأزمة السورية ما هو إلا حديث قابل للتغيير والتبديل بتغيير وتبديل أدوار اللاعبين الرئيسيين .
لقد كان لإعلان عن الإدارة الذاتية في الكانتونات الثلاثة أهمية لشعوب المنطقة , بأن يقرروا مسيرتهم في تحديد مصيرهم بأنفسهم وبتوافق وتفاهم مع جميع الأطراف المعنية دون إقصاء أو تمييز, حيث كان بمثابة عقد وطني وسياسي وديمقراطيّ, يرسم مستقبل سورية الحقيقي الذي سيرى فيه كل السوريون مصيرهم وحقيقتهم,وان المعطيات تشير إلى أن مصير سورية المضيء سيبدأ فعلا من هنا, وبعد أكثر من سنتين من الإعلان, نقرأ ما قدمته الإدارة الذاتية, وهناك وقائع تؤكد أنه تم تحقيق الكثير من التطور, وعلى جميع الصعد السياسية والعلمية والتربوية والاجتماعية , رغم الهجمات الكبيرة والكثيرة التي تعرضت لها المنطقة, حيث استطاعت تحقيق انتصارات على الصعيد العسكري الدفاعي, فصدت الهجمات الإرهابية الخطيرة التي تعرضت لها, كما استطاعت أن تحقق الانتصارات في كوباني والجزيرة وعفرين, وتوسع رقعة المناطق المحررة, وفي خضم هذه الأوضاع تم الإعلان عن مجلس سوريا الديمقراطي , وهو بمثابة غطاء سياسي لقوات سورية الديمقراطية والتي أثبتت موجوديتها على الأرض .
وتمثل الإدارة الذاتية الديمقراطية اليوم المعارضة المعتدلة, وهي النهج الثالث أو الطريق الثالث لبناء الديمقراطية, ولفهم معنى الخط الثالث لابد من ربطه بكنهه ووجوده الفكري والسياسي, ولفهم ماهية وجوده أكثر لا بدّ من وضعه في إطار الحاجة إليه بمضمونه الديمقراطي والجماهيري, لذلك فإن الحاجة إليه اليوم أصبحت ضرورة لتحديد مسارات الخط السياسي للإدارة الذاتية, وأيضا الفدرالية باعتبارها الممكن التنظيمي والسياسي الذي تتطلبه المرحلة اليوم لبناء قطب قادر على خلخلة موازين القوى التقليدية, وتحريك الآسن في واقع سياسي هلامي, تأسست معارجه المظلمة عبر عدة عقود, ولم تنتج سوى الخيبات والانكسارات التي تعاني منها كل البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد.
من هنا فإن الخط الثالث إن أراد أن يكون كذلك, لا بد له – و بالضرورة – من السير في مسارات متوازية, متنافرة ومتناحرة مع خطّيْ النظام والأصولية المتطرفة, والذي لا يمكن له الالتقاء معهما أبداً, بالتزامن مع ما ذكر أن هناك نواة تعمل على توحيد الصفوف وتفرض نفسها خطاً ثالثاً داخل المجتمع وهي الفدرالية الديمقراطية, أن هذا النموذج يمكن أن يؤسس لسورية المستقبل , وقادر على تحفيز الوعي الجماعي لبناء العدالة الاجتماعية والتوزيع عبر التضامن الوطني, كما يمكنه أن يشكل بديلاً عن ثنائية المعارضة والنظام اللذان يشغلان مساحات داخل المشهد السياسي.
*نائب رئيس المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة
نشر هذا المقال في صحيفة Buyerpress العدد “42″ تاريخ 30/4/2016
التعليقات مغلقة.