في واقع الإعلام الكردي

52

مصطــفى عبــدي

الإعلام الكردي حاليا مقيد بمغازلة السلطة أو الحزب، فبدل أن يحاول البحث عن الأخطاء، وطرح مشكلات المجتمع، نجده يتعامى عن الكثير من القضايا الجوهرية التي تلامس حاجات وواقع الناس الى التبرير، مثلا هو لم ينجح في نقل تبعات حصار عفرين المستمر منذ ثلاثة أعوام، وعجز عن تمثيل حقيقة مقاومة كوباني، وتبعات التحرير والدمار، وشعور الناس بالخذلان من المجتمع الدولي، ولا عن نقل مقاومة أهالي الشيخ مقصود في حلب، بل عمد أحيانا الى محاكاة العواطف والتجييش الشعبي فحسب.

بدون عنوان
مصطــفى عبــدي

يساهم غياب الخطاب الإعلامي الكردي في سورية، وغياب وسائل إعلامية ذكية تعمل باستراتيجة مدروسة، بدور سلبيّ في الفوضى الإعلامية الحالية، وتنوع وغياب المصدر الحقيقي للخبر من قبل المتابع للوضع الكردي، أو الذي يعيشه.

حيث يغلب على “الإعلام الموجود” ورغم غزارته من حيث المنتج والعدد, الطابع المحلي، بدون اي منهجية واضحة ولا مهنية تنقذه من الضياع والاستهلال الإعلامي.

الإعلام المحلي حاليا، الحزبي منه، وأغلب المستقل تغيّب عنه أيضا آفاق العمل المؤسساتية، وهو مرتبط بالجهات السياسية أو الجهات التي تديره، لينحصر في اطار ضيق لا يركز على حقيقة الاحداث بل يعمد قدر الامكان إلى نقل صور نمطية عن حياة الناس وبالتالي تغييب الحقيقة عنه، ويفقد مصداقيته من قبل ” الجمهور”، وذلك لارتباطه المباشر بالسلطة المحلية / أو الحزب، فالمستقل منه يظهر أكثر تحزبا ونجده يساير “السلطات المحلية” ويعمد قدر الامكان على كسب ودها، مقابل اتباع سياسة “غض النظر” كي يستطيع الاستمرار في العمل فتجده يضع له خطوطا حمراء، بدون أن يُطلب منه حتى.

لم يستطع الإعلام الكردي الخروج من القوقعة التي ولد فيها، فظل مرتبطا بالأحزاب الكردية، وهو ما عرقل قدراته على النهوض والانعتاق من سلطة الحزب لاحقا بعد توسع فضاء الحرية، وظهور مصادر نشر مفتوحة، فظل عاجزا عن كسر الجليد ولم يستطع المساهمة في احداث التغيير، او القيام بالدور المنوط به في مراقبة السلطة، والأحزاب والتأثير في مواقفهم او نقدها كما يجب، لذا عجز أيضا عن أن يكون له أي دور في مجابهة الاوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية وسواها وبدل ذلك أصبح جزءا من إعلام السلطة، أو الحزب بشكل غير مباشر يروّج خطابها، ويسقط عنه هم الناس.

قد يفهم البعض أن “وظيفة الإعلامي” هي فقط تصوير المشاهد، أو كتابتها ومنتجتها كتقارير من مكان العمل باتجاه الشاشة التي يتلقفها المشاهد، وإذا كان كذلك فلنحاول البحث عن “تقرير لإعلامي محلي” استطاع أن يؤثر أو يحرك قضية، أو نال صيتا وتم ترويجه في وسائل التواصل، للأسف إن بحثنا لن نجد الكثير، بل سنجد العشرات من التقارير والتحقيقات لصحفيين أجانب زاروا المنطقة الكردية روجآفا ليوم واحد وعادو الى استديوهاتهم بسلّة وفيرة من المشاهد التي نتابعها في الأيام التالية كتقارير ذكية، تلامس جوهر وحقيقة الحرب أو الدمار والمقاومة وحياة الناس ومشكلاتهم، وهذا مرتبط بالفهم الخاطئ للإعلام من قبل ” الصحفي المحلي” فهو لم يصل بعد لقناعة أن المشاهد أو القارئ ينظر اليه كمن يأتيه باليقين المفقود، وهو مصدر طمأنينة، لذا فإنه من المهم أن يكون عمله متمتعا بالكثير من الدقة والصدق وهو ما لا يتوافر بالشكل المطلوب، لذا فإن الناس تنظر نحو الصحي المحلي في مجتمعاتنا غالب الأحيان نظرة سلبية..

الإعلام الكردي حاليا مقيد بمغازلة السلطة أو الحزب، فبدل أن يحاول البحث عن الأخطاء، وطرح مشكلات المجتمع، نجده يتعامى عن الكثير من القضايا الجوهرية التي تلامس حاجات وواقع الناس الى التبرير، مثلا هو لم ينجح في نقل تبعات حصار عفرين المستمر منذ ثلاثة أعوام، وعجز عن تمثيل حقيقة مقاومة كوباني، وتبعات التحرير والدمار، وشعور الناس بالخذلان من المجتمع الدولي، ولا عن نقل مقاومة أهالي الشيخ مقصود في حلب، بل عمد أحيانا الى محاكاة العواطف والتجييش الشعبي فحسب.

الكثير من المناطق الكردية في سوريا باتت ساحة ساخنة لأحداث مهمة سواء أكانت من ناحية التطورات العسكرية أم السياسية ورغم حالة الامتعاض “الكردية” وخاصة بين المثقفين من تجاهل الإعلام العربي نقل أخبارهم بشكل موضوعي، بل والقيام بتشويه بعض الأحداث، لا نعترف بأننا لا نمتلك “مصادر إعلامية” قوية تستطيع مواكبة حالة التطور الذي يعيشه مجتمعنا، بل نلقي اللوم على “الإعلام العربي” الذي بالأصل يعتبر أي انجاز كردي هو ضرب لمشروعهم القومي، فكيف اذاً نحمّله وزر عجزنا عن دعم وبناء مؤسسات إعلامية قوية قادرة على المنافسة في ظل كثرة وانتشار المعلومات في الفضاء الأزرق، رغم كثرة عدد الإعلاميين سواء أكانوا صحفيين، أم مواطنين صحفيين.

قد تلعب الخلافات الحزبية، وارتباط الإعلام بالجهة الممولة دوراً مفصليا في تماهي وظيفة الوسيلة مع قدرتها في أن تكون “مع الناس” وليس مع “السياسة” ولعل لذلك أيضاً دوره الكبير في أن يكون “الخلاف بين الوسائل الإعلامية كبيراً” بذات الخلاف بين “الأحزاب الكردية” والذي ينعكس في الحالة على “الشارع”، ففي متابعة المواقع والوسائل الإعلامية الكردية حاليا نجد أن غالبها “مدونات” وتلفزيونات وإذاعات مؤدلجة, غالب المنشور فيها يعتمد على “اجتهادات فردية” “ومتابعات مكتبية” هدفه ارضاء السلطة، أو الجهة الممولة وغالبها يتجاوز الاهتمام بأخبار “الناس” و”مآسي المجتمع” بقدر ما يعمل على “التحفيظ النفسي” و”الدعم المعنوي” و”ملئ الصفحات أو تغطية فقرات البث.

وفي العودة لمتابعة عدد وماهية الاتحادات الصحفية، ستجد أن عددها يتجاوز الـ 5 منظمات تدّعي الاستقلال، وإن عرجنا على منجزاتها جميعا لن نجد شيئا سوى اصدار بيانات وتجاوز القيام بدورها المنوط بها، في محاولة تأطير ومنهجة العمل الصحفي، والاهتمام بالإعلاميين ومساعدتهم ان اقتضى الامر، بتوفير التنقل او الحماية أو العلاج في حالات الطوارئ، كما وان هذه الاتحادات لا تمتلك حتى قاعدة بيانات، ولا نظام محدد لماهية ودور العمل الصحفي، أو دورها حتى ومكانتها.

من المهم إذاً العمل على إعادة تنظيم واقع الإعلامي الكردي، والعمل على توحيد الجهود المتفرقة بهدف رسم خطوط عامة، تضع الهمّ القومي، وهم ّالناس أولا، وثانيا، وثالثا.

نشر  هذا المقال في صحيفة Buyerpress العدد “42” تاريخ 30/4/2016

مقالات1s

التعليقات مغلقة.