هل حقاً كانت مسرحية أبطالها أخوة السلاح.!؟
بعيداً عن الشرارة التي فجّرت الاشتباكات وبعيداً عن عدّاد الضحايا والتفاصيل المتعلقة بالاشتباكات التي جرت بين آساييش الإدارة الذاتية ووحدات حماية الشعب التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة وبين ميليشيا الدفاع الوطني بقيادة محمد الفارس وقوات النظام من جهة أخرى والتي وصفت بأنها الاشتباكات الأعنف على الإطلاق منذ بروز حزب الاتحاد الديمقراطي على الساحة، بدأت في مركز المدينة أو ما يسمى المربع الأمني الذي يسيطر عليه النظام وامتدت إلى ما شاء لها أن تتمدد.
وبغض النظر أيضاً عما تمخضت عنها من نتائج المفاوضات التي جرت بين النظام ومسؤولي الإدارة الذاتية يتشابك تفسير الأحداث بأنها إحدى التراجيديات التي تحصل بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي وإن كانت هذه المرة أعنف من سابقاتها وبين تفسيرها بأنها مواقف انفعالية ارتجالية من قبل بعض عناصر الدفاع الوطني الذين فتحوا النار على دورية تابعة للإدارة الذاتية وبين حالة من الحساسية السياسية بين النظام من جهة وبين حزب الاتحاد الديمقراطي خرجت عن طورها لتعبر عن نفسها بالوجه الآخر من السياسة ألا وهي العسكرة والسلاح وهو الاحتمال الأرجح باعتقادي فلكل طرف منهما مصالحه وتوازناته التي أعادت حالة الهدوء. فمنذ مدة يتداول الشارع الكردي شائعة مفادها بأن حزب الاتحاد الديمقراطي سيسيطر على المربع الأمني وهو قلب وجود النظام في القامشلي ومن غير المقبول أن يقوم النظام بتسليم مركز وجوده على طبق من ذهب وبدون كلفة للإدارة الذاتية أمام مرأى وشهود ميليشيا الدفاع الوطني, ومن غير المقبول أيضا أن يقف النظام عاجزاً ساكتاً أمام تعاظم قوة الحزب ولا سيما إنه يقوم على تطوير مشروع الإدارة الذاتية نحو تداول فكرة الاتحاد الفيدرالي والتي أفصح عنها مؤخراً وأعلنها في مدينة الرميلان, وسعيه نحو ديمومة حالة بناء مؤسساته وهذا مما لا يروق لميليشيا الدفاع الوطني المكوّنة من أبناء العشائر العربية وما لا يستطيع النظام أن يلتزم الصمت إزاءه.
إن توسع رقعة الاشتباكات وقيام الـ (PYD) بتصعيد الموقف ـ في محاولة منه لإظهار قوته العسكرية وتحركه في اتجاه الرد السريع ـ وردّ النظام بقصف المدنيين بقذائف المدفعية ليقول إنه لن يتوانى في استخدام جميع الأسلحة وإن حالة المنطقة ليست بأفضل من حالة بقية المناطق السورية.
إذاً هل يمكن تفسير ما جرى على أنه اختبار للقوة.. !؟ في وقت ليس من مصلحة PYD فتح جبهة مع النظام كي تضيفها إلى جبهة الشيخ مقصود وجبهاته ضد تنظيم داعش، ونفس الآن ليس من مصلحة النظام تصعيد الموقف في المنطقة وفيها إحدى الشرايين التي تغذيه وهو مطار القامشلي وما تبقى من آبار النفط في حقول رميلان ناهيك عن موقفه في مفاوضات جنيف الذي سيتأثر بكل تأكيد إذا ما اشتعلت المنطقة الكردية، إذا ما جرى لم يكن ليختبر الطرفان قوتيهما مما يزيد في صوابية الحكم على الموقف أن النظام أراد أن يبعث برسالة مفادها أن النظام الفيدرالي الذي تقومون بالعمل عليه لتطوير مشروع الإدارة الذاتية هو اختيار فوق طاقاتكم لذا سأقلم أظافركم وقت أشاء.
إزاء كل معطيات الأوضاع الداخلية تجري في الوقت ذاته مفاوضات جنيف وسعي قوى دولية لإشراك حزب الاتحاد الديمقراطي فيها متمثلة بشخص صالح مسلم كطرف معارض للنظام بمعية الاشتباكات الأخيرة التي حصلت بين الطرفين علها تكون البوابة التي يدخل منها إلى مفاوضات جنيف وبالنظر إلى نتائج المفاوضات التي جرت في مطار القامشلي في محاولة لتهدئة الوضع لا يظهر الطرفان على أنهما متحالفين بقدر إنهما قوتان متنافستان تسعيان إلى ميل كفة التوازن لصالحه، ففي الوقت الذي تحدث فيه قائد ميليشيا الدفاع الوطني على أن الخلاف هو بين إخوة السلاح ويقصد به النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي ويتبرأ من كل ما حدث جاء حديث “آلدار خليل” القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) موجهاً الاتهام إلى النظام بأنه غير مؤهل للحل السياسي في سوريا وإن هذه الاعتداءات ما هي إلا ضربة لمشروع الاتحاد الفيدرالي للانتقال بسوريا إلى نظام لا مركزي وموجهاً في الوقت نفسه الاتهام إلى المعارضة والمجلس الوطني الكردي ويضعهما في خانة واحدة مع النظام.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بصورة جدلية جراء ما صرحت به قيادات من المجلس الوطني الكردي وكلامهم في تفسير ما حصل على أنه تمثيلية أبطالها الطرفان المتقاتلان، فهل حقاً كانت كذلك!؟ للإجابة على هذا التساؤل يتحتم علينا أن ننتظر ما تخبئه الأيام والمراحل القادمة وما ستؤول إليه أوضاع المنطقة لأنه مهما كانت التوازنات التي يسعى كل طرف لجرّها إلى صالحه أو تضاربت تصريحاتهم، يبقى بقاء المنطقة آمنة مستقرة سيِّد كلِّ التوازنات والمواقف.
التعليقات مغلقة.