معركة قامشلو.. أسباب ونتائج

72

مصطفى مشايخ*

مصطفى مشايخ
مصطفى مشايخ نائب سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)

منذ اندلاع الثورة السورية السلمية في 15/ 3/2011 التي اتسعت دائرتها حتى شملت معظم المدن والبلدات على مساحة الوطن، وطالبت بالحرية والكرامة وتغيير بنية النظام بكل مرتكزاته ومؤسساته اﻷمنية، ولكن النظام لم يعرْ أي اهتمام بمطالب الشعب ولم يستجب لمطالبه المشروعة المحقة وأصرّ عل التعامل الأمني مع الحدث دون سواه، وأطلق على الثوار تسمية الغوغائيين المتآمرين والمارقين وغير ذلك من التسميات. وكلما كانت الثورة السلمية تتسع وتتعمق، كلما ازداد النظام وحشية وقمعاً في ممارساته حيالها، وعملَ كلَّ ما بوسعه مع جهاتٍ أخرى على جر الثورة السلمية إلى العسكرة ليبررَ لنفسه ممارسة المزيد من البطش والتنكيل بحق المتظاهرين. وتم تشكيل الكتائب المسلحة للدفاع عن المدنيين وحماية الثوار، فتداخلت اﻷجندات الإقليمية والدولية وتنوعت مصادرها، وأمدّت الكتائب المسلحة بمختلف الإمكانات وتشجيعها للتوسع والسيطرة على اﻷرض. ورغم أن النظام لم يعد يسيطر على ثلث اﻷرض السورية وفقدَ السيادة وخرّبَ البلد وهجّر السكان بالملايين ومئات اﻵلاف من القتلى والجرحى ، لم يتنازل النظام عن عنجهيته ، ولازال يشيد بقواته وأجهزته اﻷمنية نتيجة احتضانه ومساندته من جانب حلفائه من جهة وضعف وتشتت المعارضة السياسية من جهة أخرى ناهيك عن تقاعس المجتمع الدولي بتعاطيه مع اﻷزمة السورية.

في الجولة الثالثة من مؤتمر جنيف 3 أصبح النظام أكثر مكابرة وقساوة بعد التدخل المباشر من قبل الدولة الروسية وتراجع الكتائب المسلحة المحسوبة على الائتلاف على الأرض إضافة إلى خسارة التنظيم اﻹرهابي الكثير من المناطق لصالح قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك تراجع أولويات المجتمع الدولي على تغيير رأس النظام والقبول بالحل السياسي للأزمة بالمقابل انسحاب وفد معارضة الرياض وعدم جدية معارضة اسطنبول في الحل السياسي وعدم امتلاكها التمثيل الكامل للشعب السوري واحتكار تمثيل المعارضة فيها حصراً ووقوعها في أحضان أجندات الدول اﻹقليمية وبالأخص منها الدولة التركية التي تعادي طموحات وآمال الشعب السوري في التحرر والكردي منه على الأخصّ.من هنا حاول النظام أن يظهر للشعب السوري بأنه لايزال على عهده قوياً مسيطراً على الأرض ممتلكاً زمام المبادرة، وأراد في مدينة قامشلو عاصمة اﻹقليم الكردي في سوريا أن يجر قوات الآساييش التابعة للإدارة الذاتية إلى ضغوط عبر تحريك ما تسمى بقوات الدفاع الوطني سيئة الصيت خاصة بعد تحرير معظم الأراضي الكردية من رجس التنظيمات اﻹرهابية وإعلان مبدأ الفدرالية لسوريا عامة ولروجآفا شمال سوريا خاصة والتحضير ﻹقامة الفدرالية إذا لم يتم التوصل ﻷية تسوية بالشأن السوري، فاضطرت قوات الآساييش للدفاع عن نفسها إلا أن قوات النظام  قد استخدمت الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين في أحياء المدينة عبر القصف المدفعي من المطار والهاون من الفوج جنوب حارة الطي والتي أدّتْ إلى استشهاد العشرات من المدنيين، واضطرت قوات الحماية الشعبية والمرأة للتدخل ومحاصرة المربع اﻷمني والفوج العسكري، فتأكد النظام بأنه سيكون الخاسر في هذه المعركة وأنه سوف يفقد تواجده الرمزي في المدينة و بالتالي سيحرم من بعض خيراتها، فطلب الهدنة ووقف إطلاق النار تمهيدا لاتفاق يفضي إلى تسوية وتهدئة . وبعد جولات من الحوار والمفاوضات بين وفد من اﻹدارة الذاتية ووفد النظام تمّ التوصل إلى اتفاق من ثماني نقاط اساسية وتم وقف إطلاق النار . ويستنتج من هذه المحاولة – بأن النظام تأكد مرة أخرى بأنه لا يملك السيادة على المنطقة الكردية على اﻷقل ، والرسالة التي كان يود إرسالها إلى الداخل والخارج باءت بالفشل،ويسجل للكرد وﻷول مرة توقيع اتفاقية بصفة رسمية وموثقة وبإشراف بعض اﻷطراف الدولية مع النظام كطرفين متخاصمين.يمهد الطريق ﻹعلان الفدرالية في روجآفايي كردستان / شمال سورياويعتبر هذا النصر بمثابة رسالة إلى الكتائب اﻹسلاموية المتطرفة التي تحارب الكرد في مناطق متعددة /عفرين -شيخ مقصود …بأنها قوة لا يمكن قهرها واكتسبت المزيد من ثقة الدول المتحالفة /امريكا – روسيا / بالقوة الكردية وبإمكانية الاعتماد عليها في دحر التنظيمات اﻹرهابية المتطرفة، وكان قرار الرئيس الأمريكي زيادة عدد الجنود الأمريكيين الاستشاريين لدى قوات سوريا الديمقراطية من 50 عنصراً إلى 300 عنصر . علماً بأن ثمن هذه الانجازات الكبيرة كان باهظاً وهي دماء شباب الكرد من الآساييش و قوات حماية الشعب والمرأة والمواطنين العزل ،وانتزاع الحقوق من الأنظمة الشوفينية والديكتاتورية وطرد اﻹرهاب يحتاج إلى التضحيات ،وشعبنا مشهود له بالشجاعة والفداء والتضحية .

أخيراً، لا بدّ من التأكيد على القول بأننا جميعاً مطالبون بالبحث الجاد والمسؤول عن المشتركات التي تجمع الحركة الكردية وما أكثرها ليكسب شعبنا ثقة الأصدقاء، والكفّ عن الحملات الإعلامية التي تترك الكثير من الجروح في الجسد الكردي والتي يستفيد منها أعداء شعبنا دون سواهم. نحن بحاجة إلى طاقات شعبنا دون شطب أو هدر أي جزءٍ منها. ويجب ألا يغيب عن البال لحظة واحدة أنه على الرغم من الاختلاف في الآراء والرؤى السياسية بين الأحزاب والكتل الكردية، لا خيار أمامنا سوى وحدة الصف والموقف الكردي في الأساسيات والخطوط العريضة.

*نائب سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)

التعليقات مغلقة.