سميرة توفيق… لي

185

طه خليل شاعر وكاتب كردي

أحب سميرة توفيق، وأعرف أن الكثيرين قد نسوها، وأن الكثيرين قد ولدوا، فأرضعتهم أمهاتهم من ” التلفزيونات الملونة” حيث تصدرت المشهد مغنيات ومغنون يعتمدون على أجسادهن وأجسادهم، قبل الحناجر، وصارت الأغنية تشاهد، ولا تسمع، فتذكر المغنية مقرونة بردفيها، أو بشفاهها الغليظة، أو شكل أنفها الذي يشبه آلاف الأنوف الأخرى في الوسط الفني المحلي أو العالمي، لهذا يكون سؤال المرء للمرء:” هل شاهدت الأغنية الفلانية.؟” ومن قبل كان السؤال هل استمعت.؟

أذكر وأنا صغير، كنت أستمع لراديو صوت أمريكا، حيث كان يقدم برنامجا يوميا باسم: ” ما يطلبه المستمعون من الأغاني العربية .” وكانت المذيعة في نهاية الحلقة تقدم أسماء الأغاني التي ستقدمها في اليوم التالي، وحين كانت تذكر أن سميرة توفيق ستكون في الغد من بين ممن يتم تقديم أغنيتهم، كنت أقضي النهار كله منتظرا المساء لأستمع إلى مغنيتي وأنام، وحتى كان يحين المساء كنت أسأل عن الساعة أكثر من مائة مرة، رغم معرفتي أن البرنامج لن يذاع إلا قبل مغيب الشمس، وكانت أكثر الأغاني شهرة وقتها أغنية ” بيع الجمل يا علي، واشترى مهرا إلي ” وكنت أعتقد أن سميرة توفيق تحبّ شخصا اسمه علي، ولديه جمل، وتود أن يبيعه، ويقدم ثمنه لأبيها كمهر للزواج، ولم يدر بخلدي يوما أن المهر قد يكون فرسا صغيرا وأن القافية والبداوة هي من مفردات مغنيتي سميرة، ولم يكن هذا ما أفكر به فقط ، بل بدأت تتغلغل إلى نفسي غيرة عمياء تجاه علي، أي علي في الدنيا قد يكون حبيب سميرة توفيق، ورحت أتطير من كل شخص اسمه علي، حتى علي الأبله الذي كان يرعى الأغنام معي كنت أحسده، وأغار منه غيرة عمياء،” صحيح اننا نسميه علو أو عليو أو عليكو، لكنه في الحقيقة علي” كنت أهمس في سري، وكنت أبتعد بخيالي، ” ترى لو جاءت سميرة توفيق إلى قريتنا ذات مرة وتقدمنا إليها أنا وعليو، هي ستختاره بكل تأكيد، ولن تلتفت إلى رفوف العصافير التي تضرب بجناحها زجاج قلبي كلما ذكر اسم سميرة توفيق أمامي” ومع الأيام تحولت الغيرة تلك إلى كره شديد، وحقد أعمى، وكنت قبل النوم وفي كل ليله أدعو ربي أن أفيق غدا، فأسمع صراخا وبكاء ينبعث من بيت الجيران، ويقال لي: ” مات عليكو.” فأرتاح من عليّ تغني له سميرة، وتترجاه ليطلب يدها بعد أن يبيع الجمل، ولكن علو لم يمت.
وبعد عدة سنوات حين استقدم أبناء جيراننا ” مسجلات ” صغيرة وكاسيتات بعد أن ذهبوا للعمل في بيروت، أحضر ابن جارنا معه ” كاسيت ” لسميرة توفيق فكنت لا أفارق بيتهم، وأطلب منه أن يسمعني سميرتي، وإذ اكتشف أن لها أغان أخرى كثيرة، كانت إحداها تقول: ” سمرا اذكريني لو نمتي نص الليل…. وجنب اليميني لا يغفى عليها عفين “. ورحت أفسر الاغنية ” هي تطلب من سمراء أن تتذكر، وهي تنام في حضن غريب عفن، وتطلب من السمراء أن لا تسمح للعفن أن يغفى بجنبها.”. حبيب سميرة توفيق تزوج، وقد خانها، وهو عبارة عن شخص عفن ومرتزق، ولا يستأهل أن يغفى في حضن سمراء جميلة، هو ليس عفنا فحسب، بل عفين ( عفن صغير ).

 ومرت السنوات، واتجهت لوحشة أخرى، وحشة الأسماء التي تتطابق بعد عقود، ولكنني هذه المرة لست قلقا كثيرا، ولست حاقدا، ولا غيورا، فرسولة ” روجآفا ” تدهن روحي بضوء السنين، وتغني لي .. ولا تسميني.

نشر المقال في النسخة الورقية من صحيفة “Buyerpress” العدد (41) بتاريخ 15/4/ 2016

6

التعليقات مغلقة.