لن تمروا

42

إبراهيم خليل

يا بقايا عهد عادٍ وثمودْ

يا تلاميذ اليهودْ

يا سيوفاً من جريد النخلِ

عند المَحْلِ

في أرض العربْ

يا رؤوساً من خرافةْ

وكؤوساً من سلافةْ

وفؤوساً من حطبْ

يا سراباً رقَّ حتى لا يُرى

يا سلاطين القرى

يا نملةً أردتْ سليمانَ

وكانت

لمسيح الناصرة

إكليل ذلٍ..كأس خلٍ

طعنةً في الخاصرة

يا خنجراً في..كربلاء المصطفى

يا كذبة الدهرِ كفى

أنتم توابيت المعالي.. والحضارة

عن جدارة

حيثما لاحت ظهرتم

من شقوق الليل..مثل السيلِ

غارة

أيّ ريحٍ زلزلت مرقدكم

أيّ إسرافيلَ قد أيقظكم؟

من قمقم التاريخِ

أشباه السكارى

سُنّة الكون تُرى؟

أم شهوة التفريخِ..أم نزعٌ ونفضُ

في هنيهات الخطرْ

من نصف مَيتٍ مُحتَضرْ

من خشية الموت يعضُّ

يا نيامَ الكهف قد مات الملكْ

مات الورقْ

نادى المنادي في الحواري

والطرقْ:

” اليوم غيرُ البارحةْ

وابن غدٍ أولى بكم

ممن سبقْ.

إن الذي في الظل

عاش العمرَ.. بالظل احترقْ “

نادى المنادي

فتصاممتم ولما تسمعوا

نمتم وطاب المهجعُ:

” ألواحكم, أقداحكم

أربابكم, أنصابكم

أزلامكم, أوهامكم

حتى هوام الجن في البيداءِ

والليل الطويل

سوقُ الجواري والعبيدْ

حتى حكايا متعة الولدانِ

والنسوانِ.. والزير وعنترْ

ورنين الشعر والأذكار

في حانة عبقرْ

والذي قال وقيلْ

تلك العهودْ

هيهاتَ.. هيهاتَ تعودْ

مهما سقى عودَ الأماني

من تمنّى”

يا جوارَ السوءِ

قد كنتم وكنّا.. وانقلبتم

من ضلالٍ لغوايةْ

وجعلتم دينكم سبعين شعبةْ

شأنكم في الجاهليةْ

وادّعى الكلُّ الهدايةْ

شيعةً منكم وسُنّة

وأنا إذ كنتُ في أعلى الجبلْ

منذ الأزلْ.. لي طائرٌ

لي أفعوانْ

أوحى إليّ اللهُ آيةْ

قالها لي بالكنايةْ:

” أنت حرُّ “

ولهذا

يا تماثيل المخازي والبلادة

لن تمروا.. من هنا

ما دام لي في هذه الأرض

مقرُّ.. ثابتٌ ما همّني

كأنني.. عين الثريّا في الثرى

أو شجرة

أو مثل شوكٍ في طريق المقبرةْ

أو كالحريق المستعرْ

يَصلي نواصيكم لهيباً

أحمرا.. يشوي أواري

باللظى أجفانكم

حتى يذوب الكحلُ فيها

بل أضرُّ

لن تمرّوا

خرج الأمرُ بأمر الله

من بين يديكم.. لعنةُ الله عليكم

كلما أذّنَ فجرُ

جاهدونا بالسلاحْ

جاهدونا بالنكاحْ

جاهدوا حتى.. بما ليس يباحْ

حتى تعودوا مثل حيوان الفلا

لا يعرف المولود فيكم

من أبوه

هيهات من هذي الوجوه

عطر الرجولةْ

والفحولةْ.. والمآثرْ

حسبُ تيسِ الماعزِ المغرورِ فيكم

رايةٌ خضراءَ تعلو

تحتها كرديةٌ.. ذات ضفائرْ

فترى التيسَ كظيما

ويرى ظلَّ الهزيمةْ

لا يرى منها مفرّا

إذ تناديه ويسمعْ:

” يا لحىً دون رجالْ

يا كثيباً من رمالْ

سأداويكم بكأس الموت من

إدمانكم بولَ الجِمالْ

وتهاويم المغازي والفتوحْ

حتى ولو دام القتالْ

ما دام لقمانٌ ونوحْ

عينُ المحالْ

أن تستمرّوا.. أو تمرّوا

فسمائي مهرجانٌ من فرحْ

وغدي.. قوسُ قزحْ

ليس لأعلام الحدادْ.. فيه مكانْ

وزهورُ الحقل عندي.. ألفُ لونٍ

ما عداكم

وعمى القلبِ أراكم

روضة الدنيا

سواداً.. في سوادْ

يكرهكم أطفالنا

بعدُ وهم لا يلثغونْ

يكرهكم لو تعلمون

حتى الجمادْ.. حتى المرايا

والزوايا.. والمسالكْ

ولذلك.. لن تمروا

يا وحوشاً في جلابيب البشرْ

هلّا سألتم مرةً

من كان من قبلُ عَبَر؟ْ

هل خلّفتْ أرواحهمْ

قبل التهاوي في سَقَرْ

شيئاً سوى أشلائهم.. في المنحدرْ

ريحُ الجهات الأربعة

ماءُ الفراتين.. وزخاتُ المطرْ

طير السما.. وما نما

حتى الرذاذ في الحُفرْ

حتى الحجرْ

سوف يحيطون بكم

من كل صوبٍ

فكأنّا ألفُ ألفٍ حولكم

ليس لكم.. منا مفرُّ …

لن تمرّوا

قد دُعيتم – صدقَ اللهُ – إلى

قومٍ أولي بأسٍ شديدْ

مارجُ نارٍ وحديدْ

ثم على الباغي

تدور الدائرة

يقطعها بابٌ وحيدْ

يفضي لنار الآخرةْ

سُحقاً وبُعداً

دونكم صحراء مكة

والمدينة

وإذا لم تقنعوا.. فابنوا سفينة

واقصدوا شاطئ عكا

في فلسطين الحزينة

حرروها بالدعاء

لا بالمواضي والأسنّة

من بني صهيون لكن

حوّلوا عنا الأعنّة

وسِفاحاً ليس منّا

يا ابا سفيانَ غيّر

خطَّ سير القافلةْ

كي لا نرى

هذي الوجوه السافلةْ

فهي من الشيطانِ

شرُّ

لن تمروا.. من هنا

ما دام فينا قلبنا

ما دام زندٌ وزنادْ

هيهات منا ذلّةٌ.. أو ارتدادْ

حتى إذا عدتم لها

عدنا وكنا أهلها

هيهات هيهات المهانةْ

أو سقوط السنديانةْ

ودماءُ الشهداءْ

تجري فتبتلّ الجذورْ

نحن هنا منذ انزياح الماء

عن ” جوديّ ” ونبقى

مثل “جوديّ ” ها هنا

ما دامت الأرضُ تدورْ

ما دام في العينين نورْ

ما دام في الجيب رصاصةْ

والخلاصةْ

لن تمروا

لن تمروا

لن تمروا

نشرت هذه القصيدة في العدد (40) من النسخة الورقية لصحيفة “Buyerpress” بتاريخ 1/4/2016

طه

التعليقات مغلقة.