أردوغان السكران …والجوكر الخسران!

48
التقاط
طه الحامد

في الفترة القصيرة المتاحة أمامه سيطلب أردوغان شحن الدماء في التحالف الأمني بينه وبين دمشق الذي كاد أن يضمُر ويتلاشى بعد انقلاب أردوغان على النظام السوري وعلى طهران في لحظة من النشوة الطائفية السنية وجنون العظمة الذي  انتابه فتخيّل نفسه السلطان القادم من بطون التاريخ  والمنقذ لأمة محمّد من براثن الصليبيين والملاحدة الكرد والروافض الشيعة, ولكنه استفاق من حلمه ليجد نفسه وحيداً محاطاً بطوق صلب يمتد من موسكو إلى اثينا و صوفيا مروراً بروجآفا إلى نيقوسيا ويريفان وصولاً إلى سور آمد  وجزيري.

كما كان متوقعاً …أردوغان يلجأ إلى الجوكر ليلعب ورقته الأخيرة في لعبة الصراع في سوريا, بعد أن جرب الأوراق الأخرى من  (الباباز) العروبي إلى (الأوغلان) الإسلاموي ها هو يعود إلى الغرفة القديمة ذات الأبواب الثلاثة  دمشق، طهران، أنقرة التي أنشأت في القرن الماضي للتنسيق وحبك المؤامرات في وقت الشدة وفي وقت الفراغ سوياً ضد حركة التحرر الكردستانية.

في الوقت بدل الضائع المتبقي للعبة الكبار في الملعب السوريّ سيرمي بنفسه  على عتبات مساجد “قُم” مستغيثاً بآيات الله وتعويذة الكوردفوبيا التي تقضّ مضاجعهم بعد أن أدرك إن الكرد في روجآفا على بعد خطوات قليلة من فرض إرادتهم وانتزاع حريتهم ولاسيما بعد أن نجحت وحدات حماية الشعب من قصقصة مخالب أردوغان التي  استخدمها بكل ما أوتي من قوة خلال السنوات الخمس الماضية دون جدوى.

في الفترة القصيرة المتاحة أمامه سيطلب أردوغان شحن الدماء في التحالف الأمني بينه وبين دمشق الذي كاد أن يضمُر ويتلاشى بعد انقلاب أردوغان على النظام السوري وعلى طهران في لحظة من النشوة الطائفية السنية وجنون العظمة الذي  انتابه فتخيّل نفسه السلطان القادم من بطون التاريخ  والمنقذ لأمة محمّد من براثن الصليبيين والملاحدة الكرد والروافض الشيعة, ولكنه استفاق من حلمه ليجد نفسه وحيداً محاطاً بطوق صلب يمتد من موسكو إلى اثينا و صوفيا مروراً بروجآفا إلى نيقوسيا ويريفان وصولاً إلى سور آمد  وجزيري.

ما سوف يعمل عليه أردوغان سراً أو علناً يتمحور  بشكل أساسي حول كبح النهوض القومي الكردي المتصاعد والطلب من دمشق وطهران حل الخلافات البينية أو تبريدها والتفرغ لحماية الأمن القومي المشترك وإحياء التنسيق الأمني والسياسي من خلال الطلب من طهران ممارسة الضغوط على دمشق لتخفيف القبضة العسكرية على حلفاء أردوغان في جبهات القتال ليتفرغوا لمحاربة المدّ الكرديّ في الشمال السوري مقابل أن يمارس هو الضغط على الائتلاف والجماعات المسلحة للاستعجال بعودتهم إلى الحاضنة القومية العربية وفتح المجال أمام المصالحة بمنأى عن الطرف الكردي.

وقد لوحظ بشكل جليّ الانسجام والتوحّد بين خطابي النظام والمعارضة  الإستانبولية في الفترة السابقة وتلميحاتهم المبطنة والشيفرات المرسلة  الداعية إلى إنهاء الحرب والصراع لأجل الحفاظ على وحدة الشعب والتراب السوري, والتركيز على المخاوف الكبيرة من التقسيم الذي تنتظره سوريا إن بقي الصراع مستمراً, والأغرب من كل ذلك هو انضمام جماعات كوردية منضوية في الائتلاف السوري إلى تلك الحملة حتى وصل الأمر بقادة كرد في الائتلاف أن وصفوا حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية بأنها قوى غير وطنية وتشكل تهديداً جسيماً لوحدة التراب السوري  ولو لم يتم ردعهم سيكونون أمام دولة كردية في الشمال السوري!!

تلك الجماعات تناست تماماً إن صراعها الأساسي كان  مع النظام  وإنهم قادوا ما كانت تسمى ثورة ضده في السنوات السابقة, وراح ضحية ذلك مئات الآلاف من الشهداء وتم تدمير نصف المدن والقرى …تناسوا ذلك وأصبح لسان حال الجميع يتكلم من على المنابر الإعلامية حول كيفية الحفاظ على الأمن القومي التركي والمخاطر التي تشكلها الإدارة الذاتية وقواتها على تركيا, فأصبح الاهتمام بشعاراتهم الأساسية حول تغيير النظام وإسقاط بشار الأسد ثانوية بالنسبة لهم.

السؤال؟ تـُرى هل فات الأوان بالنسبة لورقة الحكومة التركية الأخيرة؟

أعتقد أن الزمن والمتغيرات الكبيرة التي حصلت على الأرض لن تسعفهم هذه المرة, فلا إيران ولا النظام في وارد التعامل مع أردوغان  بشكل جدي  بعد الشرخ الكبير الذي حصل بينهم وخاصة على صعيد التناقض الطائفي الكبير بين قاعدتي الطرفين شعبياً, ومن ناحية أخرى إيران لم تعد بحاجة كبيرة إلى تركيا المنافسة له في تزعم المنطقة بعد الاتفاق النووي مع الدول العظمى وانفتاح أوربا وأمريكا وروسيا والصين بشكل تنافسي على طهران وتهافت الشركات العالمية وتسابقها لإجراء وتوقيع العقود التجارية معها, ومن جهة أخرى إن دخول الروس والأمريكان إلى المنطقة وتقليص الدور الإيراني فيها يقلل كثيرا من فرص إيران في لعب دور جوهري في مسارات الحرب السورية وربما تعويضها في اللعب بمناطق أخرى مثل جنوب العراق ولبنان مقابل تخليها عن اليمن للسعودية, يعني بالمحصلة  تركيا لم تعد قادرة  على العودة إلى لعب الدور السابق كممثل عن المصالح الإسلامية السنية وإن كان هناك مرشحاً للعب هذا الدور ستكون السعودية ومصر والأردن ولم تعد تركيا  ذلك البلد الذي يمكن أن يكون رأس الحربة الأوربية والجبهة المتقدمة لحلف الناتو لأن سلوك أردوغان ودعمه للجماعات الإرهابية ودعمه الصريح لدعاة إعادة الخلافة الإسلامية الدولية  وابتزازه لتلك الدول في ورقتي “أنجرليك” واللاجئين جعل أوربا وأمريكا  يعيدان التفكير بدوره السابق والبحث عن بدائل وحلفاء جدد يحلون محل تركيا في المئة سنة القادمة, و لهذا لن تقوم حكومة طهران ولا أي دولة في الإقليم  برمي طوق النجاة لأردوغان بعد أن أوصل نفسه إلى منتصف المستنقع حيث لم يعد له أي صديق في المنطقة, حتى السعودية وقطر سوف تتركانه لمصيره في الوقت المناسب ….لأن  أردوغان أصبح يدرك ذلك  ومن باب التعويض طار إلى ساحل العاج وافريقيا والصومال وأمريكا الجنوبية  ليغرد هناك ويبحث عن أسواق بديلة.

بالتأكيد سيجرب حظه في طرق كل الأبواب لكنه سوف يعود بخفّيْ حنين ..ليجابه مصيره المحتوم على عدة جبهات خانقة, جبهة الجيش التركي  والجناح المرتبط مصيرياً بأمريكا وحلف الناتو  وجبهة الجناح المتذمر في حزب العدالة, وجبهة المعارضة التركية العلمانية ورثة كمال أتاتورك من الفاشيين واليمين القومي المتطرف وجبهة الأزمة الاقتصادية القادمة, وآخرها الجبهة الأكثر سخونة ووجعاً ألا وهي جبهة شمال كردستان  والثورة المشتعلة هناك والتي تنتظر الربيع وذوبان الثلوج لتزداد عمقاً واتساعاً باتجاه الحرب الشعبية الشاملة التي تنبأ بها القائد عبدالله أوجلان في عام 2013  إن لم تحل القضية الكوردية بشكل سلمي وعادل.

 ومن خلال تلك المعطيات أعلاه من المتوقع أن يعمل فريق أردوغان السياسي بعد فشلهم في فكّ الحصار الخانق من حول رقبتهم على  استدارة بقياس 180 درجة نحو PKK”” مرّة أخرى ونحو “PYD” للقبول بتجرّع كأس السمّ والانفتاح مكرها ومهزوما على روجآفا كما فعل قبل سنوات مع جنوب كوردستان, وهنا سيدخل الوسيط الامريكي والأوربي في الموضوع  ليكون حاضرا وذلك لقطع الطريق على الروس في أخذ الكرد إلى جانبهم  ولعدم ترك روجآفا كجغرافية محاذية لجنوب حلف الناتو للتواجد الروسي  ودفعه إلى الساحل السوري فقط ومن جهة أخرى لفصل تركيا عن الامتداد الطبيعي نحو المناطق السنية من دير الزور إلى نجد والخليج وقطع الطرق البرية والبحرية عنه من خلال طوق كردي يمتد من حمرين إلى عفرين وبالتالي التحكم بالجموح العصمنلي التركي الإسلاموي الذي بات يشكل خطرا على امريكا وأوربا الغربية إن تمادى وتمرّد أكثر من ذلك, ومن جهة أخرى تأمين مناطق صديقة تلجأ إليها عسكرياً كبديل محتمل لقواعد عسكرية مهددة بالإغلاق في المستقبل إن نجحت خطط الغرب في تفكيك دول وإعادة رسم خرائط جديدة بديلة عن خرائط سايكس بيكو.

أردوغان أمامه الآن خيارات صعبة من أهمها قدوم الربيع وانطلاقة الغضب الكردي في شمال كوردستان وإعلان الفيدرالية في روجآفا ومصالحات كوردية كوردية بين الأقطاب الرئيسبة وانتصارات عسكرية في الشمال لتحرير المثلث المتبقي في الباب وجرابلس وإعزاز …. وليس عليه إلا أن يعتكف في إحدى الجوامع لإقامة صلاة التراويح ….أو يقول ” أمان يا ربي أمان أنا شو عملت بحالي”, ويركع أمام  عتبة إيمرالي حيث القائد أوجلان, ففي يده مفتاح السلام ومفتاح الحرب التي ستكون هذه المرة شاملة ونهائية!

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 39 بتاريخ 2016/3/15

 

33

التعليقات مغلقة.