الربيع القادم …. قادم
الربيع فصل الاعتدال وهو بمثابة مرحلة انتقالية بين شتاء بارد وصيف حار، وبداية لمرحلة جديدة وعام جديد ففيه النوروز ببعديه الديني(يرجعه البعض للديانة الزرادشتية) والعرقي الثوري(أسطورة انتصار كاوا على الضحاك).
وفي العصر الحديث عاد استخدام كلمة الربيع للدلالة على حراك شعبي ثوري سياسي فكانت البداية في تشيكسلوفاكيا والحراك الذي قاده رئيس الوزراء التشيكي ألفرد دوبتشيك 1968 ( ربيع براغ ) والذي تم القضاء عليه بعد دخول دبابات الجيش السوفياتي العاصمة براغ .
وفي مطلع الألفية الثالثة( 2010 )عادت كلمة الربيع للساحة السياسية مجدداً للدلالة على الأحداث التي شهدتها عدة بلدان عربية ( تونس، ليبية، مصر، اليمن، سورية ) فيما بات يعرف بالربيع العربي والذي لم يكن له من اسمه نصيب أو لنقل لم يستطع حملة شعلة الربيع من الحفاظ على أهم مايميز الربيع ويرغب الناس به ألا وهو الاعتدال فغلب التطرف على الاعتدال لتتحول دول الربيع إلى ساحات لمعارك سوريالية حيث لم يعد المواطنون يعرفون من يحارب من ؟! وماذا يريد المتحاربون ؟! حتى بات المقاتل مجرد أداة لا عقل ولا روح فيها مهمتها الضغط على الزناد بغض النظر عن هوية الهدف .
ورغم السواد الذي يطغى على الصورة العامة للمنطقة تطل علينا ولو بخجل بارقة أمل لتعدنا بربيع حقيقي ستظهر تباشيره مع بداية فصل الربيع القادم .
لنبدأ من تركيا البلد الذي كان لاعباً مهماً( بغض النظر عن ماهية الدور الذي قام به ) في أحداث الربيع العربي وتغليب التطرف على الاعتدال وعلى مايبدو من كثرة احتكاك المسؤولين الأتراك بالمتطرفين أصابتهم العدوى فانقلبوا على عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني وتظهر ذلك الانقلاب بشكل كبير بعد نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأولى في حزيران 2015 حيث تعرض حزب العدالة و التنمية الحاكم لانتكاسة فحصل على 258 مقعداً بنسبة 40.87 و لم يستطيع الحصول على الأغلبية للمطلوبة 276 مقعداً التي تمكنه من تشكيل الحكومة .
بينما حزب الشعوب الديمقراطي تمكن لأول مرة من تجاوز حاجز العشرة بالمئة و حصل على 80 مقعدا” بنسبة 13,12 .
فانقلب على الانتخابات بعد الفشل في تشكيل حكومة وتمت الدعوة لانتخابات مبكرة في تشرين الثاني و استغل حزب العدالة و التنمية الفترة بين حزيران و تشرين الثاني ليصب جام غضبه على الشعب الكردي فحول مناطق جزيرة بوتان وآمد وماردين ونسيبين إلى ساحات معارك ومعسكرات اعتقال و قام بملاحقة الساسة والنشطاء الكرد ناهيك عن التفجيرات الداعشية الغريبة والتي لم تستهدف إلا الكرد ؟!
كل هذه الأسباب إضافة إلى الهزات الاقتصادية التي ضربت تركيا استثمرها أردوغان في انتخابات تشرين الثاني ليحصل حزب العدالة على 317 مقعداً بنسبة 49,4 .
وتراجع حزب الشعوب الديمقراطي حيث حصل على 59 مقعداً بنسبة 10,76 .
ورغم فوزه بالانتخابات وحصوله على الأغلبية إلا أن آلة القتل لم تتوقف في آمد و جزيرة بوتان و بقية المدن الكردية تلك الأحداث الدامية جعلت من تركيا على مفترق طرق خطير .
إما العودة إلى عملية السلام وإطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان أو الحرب فإلى الآن لا يمكن اعتبار أن كريلا حزب العمال قد شاركوا بالحرب لعدة أسباب و منها انتظار ذوبان الثلوج التي تعيق تحركاتهم .
إذاً الربيع القادم سيحمل الكثير الكثير إلى تركيا و بات المواطنون يخشون من عودة حقبة الثمانينيات والتسعينيات و لكن العالم بقدرة حزب العمال الكردستاني وحلفائه والخبرة التي اكتسبوها خلال معاركهم ضد داعش في العراق يرى أن القدرة العسكرية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني تضاعفت عشرات المرات عما كانت عليه سابقاً، إضافة إلى أن الشريط الحدودي مع سوريا بات بشكل كبير تحت سيطرة وحدات حماية الشعب ( باستثناء المنطقة الممتدة من الضفة الغربية للفرات وصولا” إلى اعزاز .(
ناهيك عن المشاكل الكثيرة الداخلية والخارجية التي يعاني منها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و لعل أبرزها تصدع حزب العدالة والتنمية والتملل من سياسات أردوغان وتفرده في الحكم وتجلى ذلك في تصريحات ومواقف نائب رئيس الحكومة السابق بولنت أريج مدعوماً بعدد من النواب وكبار الشخصيات في حزب العدالة والتنمية تلك المواقف التي تلقفها العدو الأبرز لأردوغان فتح الله غولن و بدأ عبر أذرعه المنتشرة في الداخل التركي باللعب على الخلافات داخل حزب العدالة، أما موضوع الجيش فهو بات هاجساً يؤرق أردوغان فالجيش التركي بعقيدته العلمانية لم يعد يحتمل ما وصل إليه وضع البلاد حيث لم يعد لتركية العلمانية أصدقاء حقيقيين سوى أصحاب اللحى الشعثة وداعميهم .
و من تركية إلى جارتها العراق فمن المتوقع أن نشهد في الربيع المقبل أكبر عملية عسكرية برية وجوية ضد تنظيم الدولة داعش ونقصد هنا معركة تحرير الموصل التي احتلها في حزيران 2014 وهي أكبر مدينة يسيطر عليها تنظيم الدولة .
وستواجه عملية تحرير الموصل صعوبات كثيرة بسبب وجود حوالي مليون شخص يعيشون فيها وكون المدنيين الذين بقيوا في المدينة ويعيشون تحت سلطة داعش أغلبهم من السنة هذا الأمر قد يشكل عائقاً أمام مشاركة الحشد الشعبي باقتحام المدينة والذي عبر عنه بصراحة أثيل النجيفي قائد الحشد الوطني ومحافظ نينوى السابق الذي رفض مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل لأنه سيؤدي إلى نتائج عكسية و يزيد من قوة داعش وعناصرها وفي نفس السياق جاءت تصريحات مبعوث الرئيس الأميركي للتحالف الدولي بريت ماغيرك الذي كشف أن قوات التحالف تجري مشاورات للتنسيق مع قوات البيشمركة وقوات سنية أخرى بهدف الإعداد الجيد للهجوم على داعش في الموصل في إطار معركة التحرير والتي بدأ التمهيد لها بقطع الاتصالات والإمدادات عن داعش وقصف مراكز تخزين الأسلحة والتدريب التابعة للتنظيم .
فهل يحمل الربيع المقبل خبر تحرير الموصل و بالتالي قصم ظهر داعش في العراق؟
و إن انتقلنا إلى الحراك الدبلوماسي لحل الأزمة السورية لوجدنا أن الربيع المقبل سيشهد أحداثاً مفصلية و لعل أبرزها البدء بتطبيق ما تم الاتفاق عليه في ميونيخ أمس الأول فروسيا طالبت في اجتماع دول داعمي سورية بتطبيق وقف اطلاق النار أواخر شباط بداية آذار بينما واشنطن أصرت على أن يبدأ تطبيق وقف اطلاق النار بالتوازي مع تفعيل محادثات جنيف وإلا فإنها قد تلجأ إلى تزويد المعارضة المسلحة بأسلحة نوعية. وفي النهاية تم الاتفاق على ثلاثة بنود رئيسية وهي: وقف اطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين والبدء بالمحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف ومن المتوقع البدء بالتطبيق العملي لهذه المقررات مع مطلع الربيع المقبل .
كثير من الأحداث المهمة في الشرق الأوسط من المتوقع حدوثها في الربيع القادم فهل يكون الربيع القادم ربيع اعتدال و يعود لوظيفته بكونه مرحلة انتقالية بين شتاء قارس و صيف حار ؟
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 37 بتاريخ 2016/2/15
التعليقات مغلقة.