كيف تدخل الإدارة الذاتية عامها الثالث
تم طرح مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في صيف عام 2013 من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الـPYD لكافة الأحزاب والحركات والتجمعات السياسية والشبابية والنسائية وعلى مستوى كافة مكونات غرب كُردستان من كرد وعرب وسريان وآشور وأرمن وشيشان وذلك بناءً على أفكار القائد والفيلسوف الكُردي عبدالله أوجلان, وبعد العديد من النقاشات الجادة التي استمرت لشهور تم الإعلان عن الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة بتشكيل المجلس التنفيذي للمقاطعة في يوم 21\1\2014 والذي اعتبر فيما بعد ذكرى سنوية لتأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية, وبهذا أصبح ذلك المشروع ملكاً للشعب وليس ملكاً لحزب أو جهة معينة, وقد تم الإعلان ضمن كم هائل من التحديات والصعوبات على مختلف الأصعدة وفي مقدمتها العسكرية والأمنية والسياسية ومن ثم الاقتصادية والخدمية في ظل غياب شبه كامل لمؤسسات رسمية فعالة على مستوى المنطقة, وكان العمل آنذاك أشبه بشق طريق بإبر, وعلى الرغم من هذا تكاتفت الجهود الخيّرة وتم إنشاء الهيئات والمؤسسات التابعة لها بما يملأ شتى جوانب وقطاعات الحياة بإمكانات متواضعة بدأت بالتمدد تدريجياً وحسب احتياجات المجتمع, وكاستجابة لاحتياجات المجتمع الذي كان يعاني تهديداُ مباشراً من الجماعات المتطرفة على امتداد كامل حدود المقاطعة وخاصة الجنوبية والغربية تم ايلاء الناحيتين العسكرية والأمنية الاهتمام الأكبر والأبرز, فبدأت العديد من الحملات التحريرية على مدى سنتين ونجحت وحدات حماية الشعب الـYPG – الجناح العسكري للإدارة الذاتية الديمقراطية – في تحرير كامل جغرافية المقاطعة وتحرير كامل مقاطعة كوباني ومن ثم تحرير كري سبي وبالتالي إيصال المقاطعتين ببعضهما, والتحدي الآخر كان الناحية الأمنية للحفاظ على المكتسبات التي كانت تحققها وحدات حماية الشعب على مختلف الجبهات ويمكن القول أنه أيضا تم التصدي لهذا التحدي من خلال مؤسسة قوى الأمن الداخلي الآساييش, التي حمت كل المدن وكل فئات المجتمع دون تمييز.
وفي مواجهة التحدي السياسي نجحت أحزاب الإدارة الذاتية في توحيد قواها السياسية والتواصل مع كل الديمقراطيين والعلمانيين في سوريا ونجحت مؤخراً في إنشاء مجلس سوريا الديمقراطية الـMSD والذي أصبحت تجمعا هاما للمعارضة السورية وخاصة بعد تبني الفكر الديمقراطي العلماني وأيضا بعد تبني قوات سوريا الديمقراطية الـHSD, إلا أن الخلاف السياسي الكرديّ – الكرديّ يبقى أهم عثرة سياسية حتى الآن أمام الإدارة الذاتية الديمقراطية.
أما من الناحية الاقتصادية فلم تكن الاستجابة بالمستوى المطلوب, فلم تتمكن الإدارة الذاتية من الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية للمقاطعة, كما لم تستطع فتح معابر رسمية مع الشقيقين جنوب وشمال كُردستان وهذا يعود لأسباب سياسية, كما بقيت كل الطرق المؤدية إلى الداخل السوريّ محاصرة من قبل “داعش” وأخواتها وهذا ما انعكس على أسعار المواد الغذائية والتموينية والمنزلية, ولم تستطع الإدارة حتى الآن من الاعتماد على الاكتفاء الذاتي الزراعي فبقيت الأسعار رهينة لتجار الحروب وكان تدخّلْ الإدارة الذاتية نسبياً وغير مؤثراُ وخاصة في موضوع تحديد السلع المصدرة إلى جنوب كُردستان كاللحوم والخضروات والفواكه, وكل ما سبق أثر بشكل مباشر وفعال على المستوى المعيشي للمواطن فبقي دون الحد الأدنى المطلوب في ظل الرواتب القليلة إن كانت من مؤسسات الإدارة الذاتية أو من مؤسسات الدولة السورية والتي تتراوح بين 50 و 100 دولار أمريكي فقط لاغير!
ومن الناحية الخدمية وبسبب غياب البنية التحتية القوية ومحدودية الإمكانيات لم تستطع الإدارة الذاتية من الايفاء بكامل التزاماتها الخدمية فتم تحسين وضع كل من الكهرباء والماء ونوعية الخبز ووضع الطرق بشكل جزئي, في حين تم تأمين المحروقات من بنزين ومازوت وغاز بشكل جيد جداً وبأسعار مقبولة جداً, ولكن لم تتمكن من تأمين السماد والبذار ذات النوعية الجيدة ولم تستطع الإدارة حتى الآن أن تقوم بالتسويق الجيد للمنتوجات الزراعية, وبسبب غياب الترشيد الحكيم لقطاع الفروج والمواشي حيث باب التصدير مفتوح على مصراعيه فافتقر المواطن لتأمين تلك السلع بظل عدم القدرة على ضبط أسعار هذه السلع وباقي السلع الأخرى من ألبسة وأغذية….الخ. ولعل أبرز الانجازات كان إجراء الانتخابات البلدية والناجحة على أغلب المقاييس ولكن لم تستطع تلك البلديات المنتخبة أن تلبي كافة طلبات المصوتين حتى الآن وذلك لأسباب عدة مذكورة ومضافة لها قلة الخبرة الإدارية وقلة الكفاءات العلمية التي آثرت الهجرة.
ومن أبرز الانجازات أيضا إدخال المناهج التعليمية الكُردية إلى المدارس, وإن شابت هذه العملية بعض النواقص التقنية حيث بقي عدد لا بأس به من الطلاب خارج المدارس, يضاف إليها الأسباب السياسية التي كانت نتيجة للخلافات الحزبية بين بعض الأطراف, علماً أن تلك المناهج على سوية عالية جداً واستوفت المعايير الدولية في التربية.
وتمكن المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة على الصعيد القانوني من سنّ قوانين عديدة وصلت لأكثر من خمسين قانوناُ بشتى مجالات الحياة وبما يتوافق مع العقد الاجتماعي, ولاقت أغلبها استحسان المواطنين في حين لاقت بعض القوانين عدم الرضا, وقابله المجلس التشريعي بمرونة وروح عالية بالمسؤولية, ولعل المحاكم قامت أيضا بأعمال جبارة رغم الإمكانيات المتواضعة, وهذا كله يتطلب إعادة تأهيل دائم وهذا ما يحصل فعلاً بالاستفادة من التغذية العكسية من مخرجات أي عملية.
وفي المجال الاغاثي تم استقطاب العشرات من المنظمات الاغاثية والإنسانية وترخيصها لتقوم بخدمة المجتمع كما وفّرت العديد من فرص العمل للشباب.
كما يجب أن نذكر أنه وبانتهاء السنة الثانية من عمر الإدارة الذاتية بأنها لم تتمكن من صنع إعلام يواكب التطورات الكبيرة والانجازات العظيمة التي حصلت في غرب كُردستان وهذا ما أعطى المجال للغير- المتربص بنا- لهجوم إعلاميّ وشرس وممنهج على الإدارة الذاتية ومكتسباتها لتشويهها وإفشالها ومازالت تلك الجهات تقوم بعملها على قدم وساق.
واستناداً لكل ما سبق نرى أن الإدارة الذاتية وخلال سنتين من عمرها الفتي سيطرت وضبطت أهم التحديات التي واجهتها وهي التحديات العسكرية والأمنية, في حين لم تتمكن بسبب الصعوبات الذاتية والموضوعية في السيطرة بشكل كامل على التحديات الاقتصادية والخدمية, لذا فإن مهامها في العام الثالث يجب أن تتركز في على الحفاظ على المكتسبات العسكرية والأمنية وتدعيمها, وأن يكون تحسين الوضع الخدمي ورفع المستوى المعيشي للمواطن في سلم الأولويات وأن يكون العام الثالث عام الخدمات, ودعم الاقتصاد المحلي, ودعم الزراعة والوصول بها إلى الاكتفاء الذاتي, والانفتاح السياسي على كافة الأطراف الداخلية والخارجية عدا تلك التي لها يد في سفك الدماء, وأن تعمل على تأسيس إعلام قوي قادر على مجابهة الإعلام المضاد, كما يجب أن تقتلع بؤر الفساد التي تعطي بعض المؤشرات على ظهورها في بعض الزوايا وأن تكون حاسمة لأقصى الدرجات في هذا الموضوع, وأن تكون المحاسبة جزءاً رئيسياً وليس ثانوياً من الإدارة الذاتية.
إن تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كُردستان كان ضرورة تاريخية وواجب وطني وقومي وبفضله تم الحفاظ على غرب كُردستان بمنأى عن التأثير المباشر للحرب السورية الشعواء المجنونة التي لم ترحم أي مدينة على مدى خمس سنوات من القتل والدمار والتشويه, وهذا المشروع مرشح بقوة أن يكون نموذجاً لسوريا المستقبل, سورية ديمقراطية مدنية تعددية, فهو حتى الآن وبالرغم من كل التحديات والأخطاء والنواقص أفضل ما حصل في سوريا منذ ربيع عام 2011.
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 36 بتاريخ 2016/2/1
التعليقات مغلقة.