برسم الحركة السياسية الكردية في سوريا قبل أن يقع المحظور

26

125” كان من المفترض أن يُعالج الأمر بوسائل أخرى أكثر حضاريّة وبحرص ومسؤولية غير الذي رأيناه على شاشات التلفاز وفي وسائل الإعلام، لكن مهما كانت الأسباب والاعذار أن يهان العلم والرمز الكردي, لا يليق بنا نحن الكرد، بل يبقى – وعلى الرغم من الجميع- رمزاً لإرادة الشعب”

الشّعب الكردي من أكثر شعوب العالم توقاً إلى الحرية ورفع حالة الغبن عن كاهله والذي عانى من الظلم والدكتاتوريات من قبل الحكومات المستبِّدة المتعاقبة التي حكمت كردستان، اليوم وبعد إسقاط بعض الحكومات المستبدة وهبوب رياح التغيُّر في المنطقة, لا سيما ثورة ربيع الشعوب التي طالما انتظرتها الشعوب المقهورة والمضطهدة.

كان الشعب الكردي من أكثر الشعوب توقاً لذلك التغيير, فاستبشروا خيراً بهذا الربيع حتى خرج الشعب شيباً وشباباً وصبية وبناتاً, ينادي بحريته وكرامته.

اليوم وبعد مرور خمس سنوات على عمر الثورة السورية, وفي روجآفاي كردستان بشكل خاص والذي يحظى بكثير من الأمان والاستقرار من بعض الجوانب رغم الهجمات المتكررة والسيارات المفخّخة من قبل المجموعات التكفيريّة والظلّامية من قبل داعش الارهابي وداعميه من الدول الاقليمية, يأتي كل ذلك في سياق النيل من مكتسبات شعب روجآفاي كردستان وكسر إراداته, لكن إرادة الشعب قوية بفضل وحدات حماية الشعب والمرأة والتي تستحق كل الدّعم والمساندة وتقوية قدراتها الدفاعية..

لكن رغم هذا وذاك, فأنّ الصراع الشديد بين الأطراف الكردية بلغ ذروته لا بل خرج عن حده المألوف, حتى وصل الأمر إلى هدم البيت الكردي بدلاً من ترتيبه, إن ما يهب في المناطق الكردية من رياح تفوح منه رائحة نتنة لا تبشر بالخير والطمأنينة…

وما احتقان الشارع الكردي وانقسامه إلى محورين – خندقين- إلّا خير دليل على إن المنطقة تمرّ بمرحلة خطيرة وحساسة, وكل الخوف أن يبلغ الأمر إلى الاقتتال الكردي- الكردي، ذلك خدمةً لأجندات حزبيّة خاطئة وسياسة محاور فاشلة.

وما يوم العلم الكردي الذي يقدّسه الصغير قبل الكبير والذي أراد البعض أن يستغل هذا اليوم القومي المبارك, خدمة لسياساتهم الحزبيّة الضيقة, واستفزاز الطرف الآخر في محاولات لتحريك الشارع الكردي وحشد الجماهير, ضد قرارات الإدارة الذاتيّة والتي لا يعترف بها أصلاً, وفي الوقت نفسه إنّ حق التظاهر السلميّ والتعبير عن الرأي بحرية ومسؤولية حق للجميع، فقابله الطرف الآخر بتصرفات لا مسؤولة وغير حضارية لا يليق بنا نحن الكرد أمام الإعلام العالمي, ذلك التصرف مرفوض ومستهجن ويخلق مناخاً سلبياً لا يخدم المشروع القومي الكردي بل على العكس من ذلك يخدم أعداء القضية الكردية يستثمرونه سياسياً وإعلاميا، بل كان من المفترض أن يُعالج الأمر بوسائل أخرى أكثر حضاريّة وبحرص ومسؤولية غير الذي رأيناه على شاشات التلفاز وفي وسائل الإعلام. لكن مهما كانت الأسباب والاعذار أن يُهان العلم والرمز الكردي لا يليق بنا نحن الكرد، بل يبقى – وعلى الرغم من الجميع- رمزاً لإرادة الشعب. لكن الأخطر والمحزن حقاً إنّ هذا الإثم حصل في ظل الإدارة الذاتيّة وعمرها عمر البراعم.

ففي الوقت الذي حافظ وحمى العلم والرمز الكردي وجعله خفاقاً في كل بيت وشارع وسماء في روجآفاي كردستان أولئك الشباب والشابات الأبطال من قوات حماية الشعب والمرأة الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة والذكية تراب روجآفا استبسلوا واستشهدوا على أنْ لا يدنس العلم والرمز الكردي من رجس  داعش في سري كانيه من بداية الأحداث وكوباني البطلة الصامدة وعموم جغرافية روجآفاي كردستان و لا يستطع أحد إنكار دورهم وتضحياتهم، لكن بالمقابل إنّ ممارسات بعض الأحزاب الكردية اللامسؤولة -والكل يحاول إفشال مشروع الطرف الآخر ووضعه في خانة الخيانة- واللاوطنية  بشتى الوسائل المباحة وغير المباحة الشرعية وغير الشرعية أشبه بمصارعة الثيران والكلّ يزيد من سهامه ليغرسها في جسد الشعب المجروح والمنهك والذي ينزف الدم أصلاً, ليزيد من أوجاعه وآلامه وليكبر الجرح في جسده.

فبالرغم مما يجري على الساحة الكردية أناشد العقلاء والشرفاء ومن يعز عليهم الكردايتي والذين يهمّهم تحريم الدم الكردي بوقفه مسؤولة وتاريخية أن يتنبهوا ويستفيقوا ويضعوا حدّاً بشكل عاجل وصارم وملزم لأولئك الذين يلعبون بعواطف البسطاء من الشعب، لخلق حالة من التوتر والاحتقان بتشكيل لجنة أو مجلس من الشرفاء والأعيان وأصحاب الضمير الكردي وإيجاد آلية العمل المشترك والحفاظ على ما تبّقى من الكردايتي قبل أن يقع المحظور…؟

وإلا سيُطبق علينا نحن الكرد المثل القائل ” الأعور في بلد العميان ملك”

إنّ النأي بالنفس في هذا الوقت العصيب أمر مرفوض والكل مسؤول عما يجري من فَلًتانٍ في الشّارع الكردي, فالمرحلة جد خطيرة وحساسة، ولا بد من تصحيح مسار الثورة وتوجيه بوصلة النضال نحو هدفنا المنشود المشترك وضد عدونا المشترك الذي يتربّص بوجودنا الكردي والذي لا يميز بين هذا الحزب أو ذاك فهدفه طمس الهوية والوجود الكردي.

وذلك بإعادة ترتيب البيت الكردي ورصّ الصفوف وتوحيد الخطاب, والاتفاق على القاسم المشترك بيننا نحن الكرد, فالمرحلة أكبر من تحقيق المكاسب والمصالح الشخصيّة وأجندات الحزبية لا تخدم القضية بقدر ما تسيء إليها؛ تشتُّت وتفرّق الشمل الكردي.

ليدرك الجميع إنّ المرء على ما يبدو وإنْ يكون على مستوى عالٍ وراقٍ من التفكير والوعي والنزاهة أن يضع مصلحة الوطن في مفهومه ووجدانه فوق كل شيء وفوق التعدديات والاتجاهات.

وليفهم كلّ ذا صيتٍ وكلّ مسؤولٍ إنّ مصلحته الخاصّة ليست بالضرورة مصلحة الوطن. لكن مصلحة الوطن هي دائماً بالضرورة مصلحته…؟

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 35 بتاريخ 2016/1/15

16

 

التعليقات مغلقة.