سوريا والتشظي الثوري..

29

32 الثورة تحتاج إلى من ينتقدها بغض النظر عن المرحلة التي تكون قد بلغتها، وإلى الآن لم نرَ من ينتقد (الممثلين السياسيين للثورة) كون هؤلاء وبفعل الانتماءات المتباينة لهم، وارتباطاتهم المختلفة، أدخلوا الحراك ذاته في تباينات حتى وصلت العلاقة فيما بينهم حدّاً أظهرت الخلل الفكري والرؤيوي عندهم“.

في البداية كانت ثورة تقليد المحيط، كون المعطيات اللاحقة أثبتت أنّ مجتمعا منقسماً حدّ خوف مكوناته من بعضها ليس من الممكن إدارة ثورة مع سبق اصرار وتصميم، وفي النهاية ستكون ثورة بغض النظر عن العمق والاتجاه، غير أن ما بينهما زمن طويل من الخطايا الكبرى؛ غيرت الوجهة المنطقية للأحداث، عكس افتراضات الحراك بمكوناته من إدارة وتصورات، تحول الفعل الثوري إلى استدارات فرديّة ومناطقية، وفي مقهى الثورة وقف منظرون تماهت أطروحاتهم مع رغبة النظام، فكانت فكرة الدفاع عن المتظاهرين أولى أفخاخ النظام الصالحة للعمل، هذه المقولة أحدثت انحرافة مميتة في ممهدات تعميق العمل الثوري ككل، وصولا إلى التأسيس لعناصر حرب داخلية للسيطرة على الأرض كمنطلق لاستحصال نتائج الصراع، ونتذكر تماما كيف أنّ الحراك الشعبي خطا جديّا باتجاه إسقاط النظام؛ من خلال التظاهرات الكبرى التي اجتاحت مساحات معقولة من الأرض السوريّة، وأعتقد أنّ خطأ الثائر الفكري بمثابة قراءة الفاتحة على جنازة الثورة ذاتها وبذلك كان الممهِّد الموضوعي لإسكات صوت التظاهر السلميّ، وتمّ تنفيذ مخطط أعداء الحراك بغض النظر عن النيات والأخطاء، ومازالت المرحلة التي بين المرحلتين مرحلة البدء المبشر والمتدفق للحدث السوري والذي كان من الممكن أن يكون بمثابة حامل التحول الديمقراطي في المنطقة، وبين مرحلة مايجب أن تكون عليها نتائج التراكمات في النهاية، هنا مرحلة التشظي الحراكي في اتجاهات الإقليم المنقسم عميقا في الأساس، وإلى انتماءات الفضاء المذهبي، وصولا إلى نقطة التمركز الكبرى حيث انقسم المجتمع السوريّ إلى الحواضن التي حضرها الخارج له، فتحول الصراع في سوريا إلى صراع على سوريا فضلاً عن الارتهان الإقليمي، فبدأت المربعات الطائفية بالتشكل بفعل التناقضات في المنطقة ومشاريعها البليدة المختلفة، وكانت في الأرضية الفكريّة عوامل ساهمت في خلق تناقضات بين مكونات الحراك السوري بفعل سياسات النظام وبفعل إحياء الصراع السنّيّ- الشيعيّ وجعله محط التلاعبات الدولية، خاصة بعد حرب الخليج الثانية، كما وهناك عوامل تأجيج أخرى لعبت عليها القوى الاقليميّة كفكرة لا أحقية إدارة وحكم الأقليات للأكثريات وظهرت كشعارات طائفيّة رُفعت في أكثر من مكان ومن قِبل أكثر من جهة، والأمر الهام الآخر هو؛ رغبة الدول الإقليمية في تدوير زوايا منطلقات الحراك السوري لتتوافق مع مصالحها، وهي بذلك وضعت خطوطها الحمراء أمام تحقيق أهداف الثورة والتي اختلفت من مكون لمكون بطبيعة الحال، هذه الشقوق في جسد الحراك السوري كانت بمثابة فتحات لإدخال سم المحيط إلى داخله، وتحت تأثير هذه العوامل وعوامل أخرى تم ايصال الحراك مع النظام إلى نقطة التدمير المتبادل وصولا إلى حرب استنزاف طويلة وحتى بعد اتضاح عدم قدرة الحسم لأحد الطرفين أصر من نصب نفسه أو من تم تنصيبه بفعل التكالب الدولي والاقليمي على الحالة السورية ليكونوا بمثابة متحدثين باسم الشعب السوري، أي أن هؤلاء هم الانعكاس السياسيّ الوهميّ للحراك السوري المجيد. أصر هؤلاء على رفض الحوار مع النظام بحجة تحقيق أهداف الثورة، الثورة التي باسمها تأخر الحوار سنواتٍ وأخيرا جاء زمن الحوار ولكن بعد تضحيات كبيرة من الشّعب السوري، فهل هناك من يطالب هؤلاء بتوضيح عن رفضهم طرح فكرة الحوار طالما من الممكن أن يجنب ذلك دماء مئات الآلاف من الأبرياء، وحتى يبرروا المهزلة الفكرية والسياسية – برفضهم طرح فكرة الحوار- أرفقوها بمقولة التفاوض أي استلام وتسليم السلطة، ونحن الآن عدنا إلى نقطة الصفر، أي الحوار مع النظام وبدون شروط واضحة. إن إدارة الثورة فعل تاريخي غالبا بلا تجربة خاصة، ولكن تبقى الثورة أي ثورة تحتاج إلى من ينتقدها بغض النظر عن المرحلة التي تكون قد بلغتها، وإلى الآن لم نرَ من ينتقد (الممثلين السياسيين للثورة) كون هؤلاء وبفعل الانتماءات المتباينة لهم وارتباطاتهم المختلفة، أدخلوا الحراك ذاته في تباينات حتى وصلت العلاقة فيما بينهم حدّاً أظهرت الخلل الفكري والرؤيوي عندهم، وبينهم وبين القوى العاملة في الدّاخل( السياسيّة والعسكريّة)عكست حجم التدخُّل الخارجي في الوضع السوري، وهذا الأمر هو بالذات ما أفلت القرار السوري من يد السوريين، وباتت الثورة إلى الآن على الأقل متطابقة مع رؤية الجميع ويبدو أنه دون ذلك يكون فك الاشتباك مستحيلا، ولكن هل في هذا المنحى أفق  للشعب الكردي، إنّ الانفجار المتوقع بعد فترة التراكمات البطيئة التي عشناها، قد تؤدي إلى خلق حالة من الخيارات قد لانتوقعها ولا نخطط لمجابهتها، فجزء من الساسة الكرد- وأعتقد أنّهم يمثلون غالبية القوى الشعبيّة الكرديّة وفق معطياتنا الخاصة- يعملون على انتصار لحلفائهم المفترضين( الائتلاف السوري) -في النهاية- ويعتقدون أنّهم بذلك يكسبون معركتهم هم، ولكن مضمون هذه العلاقة وحتى شكلها لا يوحي بأنّ انتصار الائتلاف هو انتصار للكرد، لذلك وفي خضم الوقائع فإن الكرد أمامهم معركتان، الأولى ما يخوضونها الآن والثانية ستكون إثر التحولات المنتظرة في شكل الحكم في البلاد ومرتبط بمستوى وحجم التغيير الذي سيُسمح به دوليا وإقليميا في سوريا، طبعاً بالقياس إلى مجمل ما أسفر عنه الربيع العربي ككل، وهل هي دولة تسبح في فضاء القديم من حيث مستويات الديمقراطيّة وشكل الحكم، لتكون منسجمة مع المحيط أم أنّ نمطاً من الحكم سيُكرس هنا أساسه اللامركزية؟، ولازال غير مسموح لأحد برسم المستقبل خاصة أن كل الأطراف المتصارعة في سوريا غير قابل للهزيمة الكاملة لذلك فمازالت فرصة الكرد متاحة للملمة أوراقهم القوية من جهة والمبعثرة من جهة أخرى.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 35 بتاريخ 2016/1/15

16

 

التعليقات مغلقة.