إشكالية المثقف والسياسي

112

02“الحالة الثقافيّة تعيش حالة غير صحيّة ومبتورة, وهي ليست بأحسن حالا من المشهد السياسي المتشظي والمأزوم, وتبقى عاجزة عن مجاراة الواقع السياسيّ أو القصور في تبوأ موقع الريادة الفكرية وحراكها في استحياء وهي غير مهيئة للمضي بخطوات أكثر جدارة في التّصدر, ومانشهده من حالة التشتُّت والتكتُّل في تشكيل المجموعات والاتحادات والأندية والمنتديات الفكرية, هو نموذج مستنسخ عن الحالة الحزبيّة”

ظاهرة آخذة في النّمو والازدياد حتى كادت أن تتحول إلى آفّة مع تباين الشرخ الحاصل في تنامي الحراك ذو المنحى الحزبي الذي أوشك أن يعتّم اللوحة ويطغى على حالة الابداع الفكريّ والنتاج الكتابيّ بما فيه الأدبي, مع إدراكنا التّام بالحالة غير الصحيّة التي تفرز منتوج غير طبيعي وقزم, لا يمكن بحالٍ من الأحوال تبريره أو التغافل عنه, لأن المعايير المعتمدة في التصنيف والتّقييم لاتستند إلى أسس سليمة, فهي بالتالي تبقى مجرد محاولات يائسة لتمرير الحالة على مضض.

يمكننا تناول هذا الملف الشائك والمتداخل في إطار علاقة الربط بين المثقف والسياسي, بل بينه وبين الحزبي, وسنتفاجأ بمدى العلاقة النديّة بين هذين المتناقضين، خصوصاً في الحالة الكردية التي لاترتكن إلى أيّة معايير في مجمل تصنيفاتها, حتى في المؤسسة الحزبية ذاتها, التي يفترض أن تكون أكثر انضباطية وفق الصيغة التي تمّ التمأسس على ركيزتها, والحالة الثقافية هي شاردة أو غير واعية لمهامها أو مقصية من المشهد العام, وهي في حالة الصراع مع الذات ولم تتمكن من تجاوز مفهوم الربط والتكامل في المواضيع التي تخصّ الجانب الاجتماعي في أقل تقدير, لذا يمكن تبرير مستوى طغيان الحالة الحزبيّة على الحالة الفكرية, لأنّها لم تبادر إلى فرض قوتها وفاعلية دورها في المشهد العام, وبنتيجته تبقى الحالة الفكرية منزوية أو شاردة لمهامها وبالتالي الامتثال لإرادة الحزبي الذي يمتلك مساحة مناورة كافية تؤهله كي يطغى على مادونه والسيطرة على المشهد العام برمّته, وهذه من أخطر الظواهر التي تعصف بالمجتمعات التوّاقة إلى التحرر الفكريّ والاجتماعيّ.

المشهد الأكثر إيلاماً؛ هو التشرذم الحاصل في الحراك الثقافي بمجمله مع غياب الدور الفاعل والمؤثِّر المفترض أن يشكله الرهط المثقف, كونه المرشح والمؤهل كي يلعب دوره في تصحيح المعادلة غير السوية التي ترافق النشاط الحزبي وسطوته في تبسيط الحالة الثقافية، بل وإهماله وإبعاده عن المشهد عامّة، ربّما تكون المؤسسة الحزبيّة على صوابٍ نتيجة عجز المثقفين في لَمْلمة أجزاءهم المتناثرة بين الموالي لفكر حزبي أو المتخفيّ عن مجمل اللوحة؛ نتيجة حسابات هي غير بعيدة عن الحرص في الابقاء على حالة التوازن وعدم المماحكة أو التصادم الذي قد يؤدي إلى نتائج غير مرضية على الصعيد الشّخصيّ, وهذه لا تناسب. ومفهوم المثقف الجريء الذي يمتلك قوة فكريّة وذخيرة كافية تؤهله أن يتبوأ المشهد العام أو يكون رديفاً بل قوة إضافية ضاغطة في تصحيح الحالة العامّة بمجملها.

الحالة الثقافية تعيش حالة غير صحيّة ومبتورة, وهي ليست بأحسن حالٍ من المشهد السياسّي المتشظيّ والمأزوم, وتبقى عاجزة عن مجاراة الواقع السياسيّ أو القصور في تبوأ موقع الريادة الفكرية وحراكها في استحياء وهي غير مهيئة للمضي بخطوات أكثر جدارة في التّصدُّر, ومانشهده من حالة التشتُّت والتكتُّل في تشكيل المجموعات والاتحادات والأندية والمنتديات الفكريّة؛ هو نموذج مستنسخ عن الحالة الحزبيّة, ودلالاته تشير إلى سعي معظمهم لنيل رضى الحزبيّ الغارق في الفوضى والتخبُّط, وسعي بعضهم الآخر الى التأكيد بشرعية مؤسسته أو إثبات وجوده لاكتساب الموافقة والاعتراف بمؤسسته الفرديّة التي لم تتمثل الفكر الحر أو أنْ تنأى بنفس شخوصها من الهوة الحاصلة, مقابل نيل الرضى من أناس هم بالأساس يفتقدون أدنى المعايير وبعيداً عن الموالاة والتّبعية.

لابدّ، من تشكيل تكتُّل يحوي معظم الأقلام الحرة ومجابهة الظواهر المعاشة في غرب كردستان, مع ضرورة التنبيه إلى أن المؤسسات الفكريّة هي مؤسسات مدنيّة وغير حزبيّة والأفراد المنضوون تحت لواءها, هم فعلاً يستحقون لقب كاتب مُبدِع أو الساعون إلى تكوين نواة لمؤسسة غير وجاهية وغير نفعيّة ماديّاً أو معنويّاً.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 35 بتاريخ 2016/1/15

16

التعليقات مغلقة.