استراتيجية التدّرج المتصاعد نحو حرية روجآفاي كردستان !

44
1957501_1206810096000501_1871354144_n
طه الحامد

المشاريع والشعارات السياسية ممكن أن تكون كبيرة وبراقة ولكن حاملها يكون صغيراً وصغيراً جداً فتبقى تلك المشاريع والشعارات طي الأدراج والدفاتر وإنْ كانت تلامس عواطف الملايين من الكرد . مثلا كأن يرفع حزباً تعداده عشرة أشخاص شعار إقامة دولة كردية في روجآفاي كردستان ويزاود بهذا الشعار على حزب آخر لديه عشرات الآلاف من الاعضاء وعشرات الآلاف من المقاتلين وعلاقات دولية وقنوات تلفزيونية وميزانية ضخمة .

 فالعبرة ليست بكبر الشعار إنما العبرة بإمكانية تحقيقه على أرض الواقع و الحفاظ على ديمومته بعد تحقيقه على أرض الواقع ثم الانتقال إلى الخطوة الثانية . وعلى هذا الأساس عمل قادة حركة المجتمع الديمقراطي على تجنب الوقوع في هذا المطب الشعاراتي منذ بداية الأزمة السورية , فثابروا على الاتزان في طروحاتهم وتحالفاتهم متسلحين بدراسات استراتيجية عميقة لمجمل الوضع المحلي والإقليمي والدولي آخذين بعين الاعتبار كل الاحتمالات المتوقعة وموازين القوى على الأرض و مآلاتها المستقبلية وتقلباتها المفاجئة والغير محسوبة . لان البيئة السياسية والجغرافية والاجتماعية التي تعمل ضمنها حركة البيئة معقدة وتتداخل فيها قوى ودول إقليمية هي في معظمها غير ودية وغير صديقة للشعب الكردي من حيث الذهنية والجذر الفكري الذي تتغذى منه . لهذا ارتأت الحركة على الصعيد السوري أن تسلك ما عرف بالخط الثالث الذي يتوسط مشروع المعارضة التي ارتمت في أحضان دول إقليمية وتحالفت مع قوى موسومة بالإرهاب وبين خط الاستبداد الذي يمثله النظام البعثي الحالي و رأت إن الخطين يمثلون ذهنية استبدادية إقصائية واحدة و لهذا عملت على أن لا تكون طرفاً مباشراً في العنف المسلح ضد النظام أو المعارضة المسلحة إلا في حالة الدفاع عن النفس مع الحفاظ على موقفها التاريخي المعادي لاستبداد السلطة الحالية وكل أشكال الظلم والتمييز كسلوك ونهج وفكر وعمل يعمل على تغييره بطرقه الخاصة وذلك للأسباب التالية : 1- الحركة كانت تتوقع إن إمكانية سقوط النظام و مغادرة بشار الاسد رأس السلطة ليس سهلاً كما كان يحلم المنتفضون في الأيام الأولى للحراك , وكانت تدرك إن عمر الأزمة ستدوم و وضعت سياساتها والتعامل مع المتغيرات بناء على هذا التقييم آخذة بعين الاعتبار السلم الأهلي و الحياة المعاشية والأمنية للشعب في سلم الأولويات لهذا رأت إن أي مساس بمؤسسات الدولة وخاصة الخدمية وقطع صلة الوصل مع العاصمة ستكون له آثار سلبية وكبيرة على الشعب الكردي وخاصة إن المحيط الإقليمي سواءً من جهة اقليم كردستان أو تركيا ليس مضموناً وهي مرهونة بالابتزازات السياسية فتجنبت الوقوع بين فكي الكماشة ولاسيما من جهة طرق الإمدادات والتواصل مع العالم الخارجي بمختلف أشكالها, فأي قرار بالقطيعة النهائية مع دمشق كعاصمة وليس كنظام ستجلب الأضرار أكثر من الفوائد وخاصة على الصعيد الأمني والمعاشي لملايين الموظفين و لباقي فئات الشعب .ومن جهة أخرى إن الحفاظ على الحبل الرفيع مع العاصمة كرمزية وطنية كانت له دلالات سياسية تطمينية وتأكيد على البعد الوطني السوري في خطاب الحركة التي أتهمت بأنها تعمل على الانفصال ونعلم إن جهات كثيرة عملت على ترويج هذا الاتهام و ذلك لإحداث تعبئة سورية شعبية ضد الحركة و تأجيج العداوة لها بأي شكل من الأشكال وخاصة من قبل الحكومة التركية ومن أرتبط بها من التيارات الشوفينية والفاشية الإسلاموية في المعارضة السورية .

 2- تصاعد الخطاب العدواني بشكليه الشوفيني والفاشي الإسلاموي اتجاه الشعب الكردي بشكل مبكر من قبل غالبية المعارضة وكانت غزوة سري كانييه الأولى إحدى تجلياتها وبمثابة الإنذار المبكر للحركة تنذر بأنها ستكون أمام جبهة معادية أكثر ضراوة من جبهة النظام وخاصة إن تلك الجبهة مدفوعة من قبل أعتى أعداء الشعب الكردي المتمثلة بالحكومة التركية والإخوان المسلمين والتيارات الشوفينية ذات الصبغة العروبية , وقد لا مسنا ذلك من خلال المؤتمرات والمقابلات والتصريحات الصحفية لمختلف أطياف المعارضة القديمة منها والطارئة على المسرح بعد 2011 , حيث لم يختلف خطاب ومواقفهم قيد أنملة من مواقف النظام بل كانت أسوأ منه في محطات عديدة متعلقة بتأييدهم للغزوات الإرهابية ضد المدن الكردية وهذا لم يفعله النظام علناً على الأقل , باستثناء بعض الشخصيات والأطراف الوطنية التي لا تشكل أي قوة على الأرض ولا يمكن الرهان عليها هي فقط كانت تعطي بارقة أمل في إمكانية ايجاد حلفاء سوريين يمكن العمل معهم .

3- الغزوات المتعددة من قبل العصابات الإرهابية التابعة للمعارضة السورية على المدن الكردية المدعومة من الدولة التركية كانت كافية لتوخي الحذر الشديد في الدخول بأي مواجهات مباشرة مع النظام في ظل غياب أي دعم دولي عسكري لوحدات حماية الشعب في السنوات الأولى .

 4- الحركة في سلوكها المتزن و المهادن مع النظام أخذت بعين الاعتبار البعد الكردستاني عموماً وخاصة الصراع التاريخي مع الحكومة التركية و مستلزمات النضال القومي لحزب العمال الكردستاني والاستفادة من التناقض الكبير الذي حصل بين دمشق وأنقرة , فالحركة كانت –وماتزال- تعي إن عودة النظام إلى سابق عهده أصبح من المستحيلات وإن الدولة السورية أصبحت فاشلة والنظام آيل للتغيير ويمكن الاستفادة منه وهو في هذا الطور الضعيف من مراحل زواله وانتزاع أي مكسب على الأرض منه سيبقى مكسبا دائما , فإن زال النظام ستبقى ملكا للحركة وإن لم يزول وعاد فسيعود ضعيفاً لن يستطيع فرض شروطه كما كان وبالحالتين ثمة مكاسب للحركة , فبدلا من استيلاء الجماعات الإرهابية الإسلاموية والشوفينية على الأمكنة التي تخليها السلطة كان الأفضل أن تحل الحركة محلها وتفاوض عليها إن اضطرت في المستقبل وهي في موقع قوي .

 5- ومن ضمن السيناريوهات التي وضعتها الحركة هو سيناريو الانهيار الكامل للدولة وتفككها في نهاية المطاف حتى لو مرت الأزمة بمراحل استراحة أو تسويات سياسية ولكنها لن تدوم .

 بناءً على ماسبق عملت الحركة بشكل متسارع على إنشاء مؤسسات بديلة مؤقتة وأعلنت عن تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية وترسيخ السلطة العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية والإعلامية في مناطق سيطرتها وأسست ثلاث هيئات إدارية لثلاث مقاطعات كل مقاطعة حسب وضعها الخاص كمقدمة لوضع المرتكزات الضرورية لرسم حدود إقليم روجآفاي كردستان و دخلت في مفاوضات وعلاقات معلنة وأخرى سرية مع دول عظمى ومقررة حول مستقبل الشعب الكردي في حال فشلت المسارات السلمية في الحفاظ على الوحدة المجتمعية والجغرافية لدولة سوريا الحالية وإن نجحت المفاوضات وتصالح أطراف الصراع سيكون الإقليم وقتها جزء فيدرالي من الوطن السوري يتمتع بحكم ذاتي واسع. هكذا كانت تفكر الحركة وتخطط فحين كان الآخرون يملؤون الصفحات بالشعارات الطنانة والرنانة كان الرفاق يرسخون على الأرض إرادة الشعب ويرسمون الحدود بالدم و يعززون من قوة وحدات حماية الشعب والمرأة وتوسيع نطاق سيطرتها وطرد العصابات الإرهابية إلى مابعد حدود روجآفاي كردستان وكل ذلك دون شعارات قوموية صارخة , لأن الحركة بالفعل تعمل لحرية كردستان وحرية الشعب الكردي ولكن على مبدأ وفلسفة الأمة الديمقراطية التي تتكون من شعوب وقوميات حرة وذات سيادة على مناطقها بهوياتها الخاصة وفق مفاهيم ديمقراطية انسانية حداثوية ترسخ العدالة الاجتماعية و العيش المشترك والسلم الأهلي .

على الصعيد الدولي : لم تشك الحركة لحظة واحدة في نوايا الدول الداخلة في الصراع السوري على إنها تبحث عن مصالحها الخاصة وليس في ذهنها أي نية لإقامة الديمقراطية ودولة عادلة موحدة فلكل منها أجندتها الخاصة وعلى هذا الأساس أصبحت سوريا ساحة صراع بين أقطاب مختلفة أهمها روسيا وايران من جهة وأمريكا وفرنسا وتركيا من جهة أخرى وبين المحورين دولة إسرائيل المدللة من الأثنين معاً . وفي هذه الحالة الدول الداخلة لا تبحث عن من يحمل المشاريع الديمقراطية أو الإنسانية إنما عن الأقوياء الذين يشكلون قوة رادعة أو ربما معيقة لمصالحها وهنا كانت الحركة بقوتها وسيطرتها على الأرض جزء من لعبة المصالح التي تلتقي في محطات كثيرة مع الأطراف الدولية وخاصة في محاربة الإرهاب الذي بات يهدد أمن تلك الدول في عقر دورها من جهة ومن جهة أخرى الحركة تستطيع أن تكون طرفاً في المخططات الدولية الخاصة بإعادة تقسيم ورسم حدود المنطقة بما ويتناسب مع تقسيم مناطق النفوذ بينها على أن يكون للكرد حصة تتناسب مع طموحاتهم القومية كشركاء وليس كأدوات . ونجحت الحركة في ذلك حيث دشنت علاقات مع مختلف الدول العظمى التي ارسلت مندوبيها إلى روجآفاي كوردستان فأصبحت عامودا وقامشلو وديريك وكوباني وعفرين محجاً لمئات الوفود من دول العالم , وأصبحت السماء في روجآفا محمية دولية وتزايدت وتيرة الدعم والمشورة للقوات العسكرية التي تشكلت حديثاً تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية و التي عمودها الفقري يتكون من الكرد . ومع كل ذلك حافظت الحركة وستحافظ على جوهرها كحركة قومية إنسانية تعمل من أجل إخوة الشعوب وحريتها ودمقرطة المجتمع والتعايش المشترك مع باقي القوميات ضمن أي إطار سياسي سواء كانت دولة فيدرالية أو أبعد من ذلك ولكن بشرط وحيد وهو أن يكون الشعب الكردي فيه صاحب حق كامل في تقرير مصيره بالشكل الذي يناسب خصوصيته الجغرافية والتاريخية في روجآفا من نهر دجلة إلى البحر الأبيض المتوسط ولم يكن استنهاض القوى الشعبية في منطقة الشهباء وجبل الأكراد و تنظيمها في تشكيلات عسكرية إلا لأجل ذلك و استعدادا لأي احتمالات قادمة متعلقة بفشل نهائي لكل مسارات التفاوض الجارية وهذا الاحتمال كبير جداً وربما ليس له نهائية إلا بالتفكيك النهائي لكيان كان ذات يوم اسمه سوريا , فالحركة مستعدة لكل مآلات محتملة للكارثة السورية وتتقاطع مصالحها مع كل الأطراف أن كانت بشكل سلمي أو عسكري فلكل مآل حليف ولم تضع الحركة كل بيضها في سلة واحدة . فمن هنا أستطيع التأكيد إن حركة المجتمع الديمقراطي بعد الانتهاء من المرحلة الأولى من العمل العسكري والسياسي وما تم إنجازه على الأرض سينتقلان إلى المرحلة الثانية وبشكل رسمي إلى تبني الحل الفيدرالي للقضية الكردية في المستقبل القريب وما نشاهده من تطور في الخطاب السياسي لقادة الحركة بهذا الاتجاه ليس سوى مقدمة لتثبيت ذلك في وثائقها لاحقاً .

التعليقات مغلقة.