العام الجديد.. عام الحسم لتشكيل خارطة طريق للأزمة السورية

33
حكم
حكم خلو “* رئيس المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة “

في بداية القرن الماضي وبانتهاء الحرب العالمية الأولى كان لتقسيم منطقة الشرق الأوسط لما لأهميتها الجيوسياسية واحتوائها على الثروات الباطنية وخاصة النفط الأهمية القصوى لدى الحلفاء المنتصرين وخاصة كل من فرنسا وانكلترا, وجاء تقسيم المنطقة وقتها خدمة لمصالح الحلفاء دون الأخذ بعين الاعتبار إرادة شعوب المنطقة وتشكلت خارطة دول قومية جديدة في المنطقة )سوريا – العراق – تركيا ….الخ ) وقسمت كردستان إلى أربعة أجزاء وألحقت روجآفا كردستان بالدولة السورية المتشكلة حديثا, وكان هذا المدّ القومي متأثرا بما جرى في أوربا إبان الثورة الصناعية وذهبت النخبة المثقفة والأحزاب والتنظيمات السياسية وخاصة القومية إلى محاكاة الحالة الأوربية في رسم جغرافية وحدود الدولة القومية ففي سوريا كنموذج حيث التعدد القومي والديني والمذهبي ناضل الشعب السوري بكل مكوناته لإنجاز الاستقلال وبناء دولة المواطنة, ونجح في ذلك وبعد سلسلة من الانقلابات العسكرية استقرت نوعا ما على مرحلة قصيرة من الديمقراطية إلا إنه ومع انجاز الوحدة بين سوريا ومصر وطغيان الفكر الناصري القوموي على المنطقة ومن ثم مجيء حزب البعث في سوريا بانقلاب 1963 وتفرده بالسلطة وفرد إيدلوجيته الشمولية أغلق الباب أمام التحول الديمقراطي الحقيقي وبقيت سوريا تحت كابوس الحزب الواحد والفرد الواحد وتعطلت كل المؤسسات فيما عدا خدمتها لسياسة حزب البعث الحاكم إلا إنه ومع تزاوج السلطة مع المال في الخمسة عشر السنة الأخيرة ووضع رجالات السلطة والنخبة الحاكمة سياسات الدولة في خدمتهم وتشكل طبقة من المسؤولين الذين يملكون الثروة, وتعاظم هذه الثروة لديهم ونتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة ازدادت الهوة بين الأغنياء والفقراء, وتحوّل الكثير من أبناء الطبقة الوسطى إلى فقراء.

إذاً كل هذه الأسباب من شوفينية النظام تجاه المكونات الأخرى الأصيلة من الشعب السوري وعدم الاعتراف بحقوقهم إلى جانب شمولية السلطة والدولة الأمنية والأزمة الاقتصادية وسوء توزيع الدخل القومي أدى إلى أزمة النظام وعدم قدرته على الاستمرار في قيادة سورية وهذه أزمة بنيوية لا يمكن تجاوزها إلا بتغييرها كونها تنبع من ايدلوجيته وعقيدته في قيادة الدولة, كل هذه العوامل وبتأثير من رياح الثورات القادمة من المنطقة انتفض أيضاالشعب السوري ضد النظام الاستبدادي الشمولي رافعاً شعارات أعطت الأمل للسوريين بمستقبل واعد.

 إلا إن دخول أجندات اقليمية ذات توجهات اسلاموية وانحراف الثورة عن مسارها وتبنيها الشعارات الطائفية كردّ فعل على طائفية النظام دخلت في نفق مظلم و آلت سوريا إلى ما هي عليه الآن من صراع بين النظام الاستبدادي وكتائب عسكرية جهادية سلفية راديكالية ….وفي هذا الجو تعددت القراءات والخيارات, النظام اختار الحل الأمني ودفع الحراك الشعبي باتجاه العسكرة والعنف المضاد, أدخلت البلاد إلى نفق مظلم وبات صوت التطرف هو الاعلى في الجانب المعارض وخاصة الائتلاف السوري المعارض, واعتماده على الكثير من القوى الاسلامية العسكرية المتشددة والتستر خلفها . أما القراءة الثالثة فكان اختيار مشروع وطنيّ سوري جامع يؤدي الى سوريا ديمقراطية تعددية دون إهمال أي من ملفات الأزمة السورية وخاصة ملف القضية القومية لشعوب سوريا والابتعاد عن الاعتماد على الأجندات الخارجية والاعتماد على الشعب السوري وجعله نواة لقوى الديمقراطية على الأرض وتحقيق المكاسب وفرض حالتها كحالة نهضوية مجتمعية لا يمكن تجاوزها . ولكل هذه القراءات عُقدت مؤتمرات وكان آخرها مؤتمرات ( ديريك – الرياض – دمشق ) حيث مؤتمر دمشق هو مؤتمر معارضة على مقاس النظام تسعى فقط الى بعض الاصلاحات التي لا تمسّ جوهر مؤسسات النظام والعقلية التي تقود البلاد . أما فيما يخصّ مؤتمر الرياض, حاولتْ أن تختزل المعارضة في المؤتمِرين بالرياض, وهذا ما أبعد الكثير من أطياف المعارضة الفاعلة على الأرض وخاصة المشاركون في مؤتمر ديريك . – محاولة شرعنة بعض الكتائب العسكرية والتي لم تحدد هويتها حتى الآن وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب . – عدم الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي وبقية المكونات القومية الأصلية في المجتمع السوري واختصارها بحقوق المواطنة وهذا يجعل أي حل قادم في سوريا دون الاعتراف بهذه الحقوق غير ناجز ويدخل المطالبات المستقبلية في متاهة المصطلحات وتفسيرها وخاصة معارضة مؤتمر الرياض لا تختلف بذهنيتها عن ذهنية النظام . وهي عملية تسويف وترحيل لهذه القضية المهمة على عكس مؤتمر ديريك حيث أقر صراحة بلامركزية الدولة والاقرار الدستوري بالحقوق المشروعة للشعب الكردي والسرياني والكلد والآشور وحل هذه القضية وفق العهود والمواثيق الدولية في دستور توافقي وهذه نقطة مهمة لان طرح الدستور الذي يحوي الاقرار بهذه الحقوق قد لا يؤدي الى قبوله من الشعب السوري, حيث لا يوجد ميراث ديمقراطي ووعي جمعي بخصوص هذه القضايا المهمة, طبعاً الآن تأخذ عملية تشكيل الوفد المعارض مسارات أخرى وخاصة بعد رفض المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن اختزال المعارضة بالهيئة المنبثقة من مؤتمر الرياض ووجود توافق دولي لذلك كله سترى أن العملية السياسية ستطول وستمر بصراعات ومخاضات متعددة وليس كما يتصور المؤتمرون في الرياض, وسيكون هناك اصطفافات جديدة وخاصة بتأثير من التغيرات العسكرية على الارض والتي ستكون عاما حاسما وهاما في تشكيل خارطة الطريق القادمة لحل الازمة السورية .

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 34 بتاريخ 2016/1/1

16

 

التعليقات مغلقة.