مكانة الرأي العام لدى القائمين على الإدارة الذاتية الديمقراطية

52

                                                                  

حسين بدر
حسين بدر

لقد بات الرأي العامي حتلّ مكانة هامّة ودائمة في تفكير السلطة السياسية، التي  يهمّها معرفة رأي الناس حول سياساتها وبرامجها وطرق حكمها ومواقفها الداخلية والخارجية، إما لتأييد أو تعديل تلك السياسات وطرق الحكم بما يتناسب مع حاجات ورغبات المجتمع, والرأي العام سواء أكان مؤيداً لسياسات وقرارات الحكومة أم رافضاً لها, يبقى له قوة تأثير فاعلة في كل مجتمع يجب أن يؤخذ بالحسبان، بل قد يكون في بعض الأحيان المحرك للعديد من القضايا والأحداث، وأن القادة السياسيين الحريصين على نجاح سياساتهم , يأخذون دور الرأي العام ومدى تأثيره في بلدانهم بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار أو انتهاج سياسة ما, أما في حالتنا الكرديّة وبعد انسحاب النظام من معظم المناطق الكردية, استوجب الأمر وجود شكل من أشكال الإدارة المدنية بهدف تسيير أمور المواطنين وتخفيف معاناتهم, والمساهمة في تأمين احتياجاتهم الحياتية اليومية في ظلّ غياب شبه تام لمؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية المعنية بحماية أمن وسلامة المواطنين على اختلاف ألوانهم, أي حصول فراغ أمنيّ وإداريّ في آن واحد وبشكل مقصود, وما رافقه من حصار مفروض على المناطق الكردية من جهة المجموعات المسلحة وقتها, فكان الإعلان عن تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية من قبل مجلس شعب غربي كردستان, وعلى رغم المآخذ والملاحظات على شكل وتوقيت إعلانها, كونها أعلنت من طرف واحد وبشكل منفرد ومتسرع بعض الشيء, حيث دُعي إليها بعض الأحزاب والفصائل التي ليس لها تواجد وحضور فعلي على الساحة الكردية أو الوطنية, ومع هذا اعتبرت الإدارة الذاتية القائمة لدى الكثيرين ضرورة مرحلية من الواجب حمايتها وتطويرها وإغناؤها بالخبرات والمهارات والكوادر الإدارية والفنية اللازمة.

 إلا أن جملة من السلوكيات المتبعة والممارسات الصادرة عن  بعض العناصر أو الجهات المحسوبة على الإدارة لا تتواءم ولا تنسجم مع توجّهها المعلن والقاضي بالعمل المشترك وخدمة القضية, بل قد تفضي إلى تكريس حالة الفرقة وإقصاء الآخر المختلف سياسيا, وبالتالي جلب الإساءة الى الإدارة والقائمين عليها والموقف الكردي معاً, وهنا يتوجب على المنوط بهم تسيير أمور الإدارة الأخذ بالحسبان والوقوف بجدّية على الملاحظات والانتقادات التي توجه إليها ولمؤسساتها من قبل الرأي العام لاسيما الكردي منه,  فلا يمكن لأية حكومة أو سلطة – حتى وإن كانت سلطة أمر واقع – أن تنجح في سياساتها دون دعم وتأييد الرأي العام لها (الشعب ). ولأن الرأي العام ليس عنصراً ثابتاً بل هو عنصر متحرك ومتغيّر من وقتٍ لآخر بتغيّر تطلعات الأفراد، ومدى قدرة السلطة على تلبية تلك التطلعات أو عجزها عن ذلك، وكذا تبعاً لبعض المتغيّرات الخارجية أو الداخلية المفاجئة، لذلك يُفترض على الإدارة القائمة ومؤسساتها أن تولي اهتماماً كبيراً لاستطلاعات الرأي العام لمعرفة اتجاهاته، وقياسه، والعمل على تلبيته قدر المستطاع والممكن, وبغض النظر عن طبيعة السلطة أو النظام السياسي، فإن الاتجاه السائد اليوم على المستوى العالمي يميل باتجاه اعتماد الديمقراطية والتعددية السياسية والإعلامية ولو بشكل متفاوت. ولهذا أصبحت وسائل الإعلام اليوم جزءاً لا يتجزأ من الحياة السياسية، يجب احترامها وفسح المجال لها لتمارس عملها ومهامها , كذلك على وسائل إعلامنا المختلفة، وبغض النظر عن مواقفها الآنية من سلطة الأمر الواقع سواء بالتأييد أو بالمعارضة، أن تعي حقيقة الدور المطلوب منها لتنوير الرأي العام وتبصيره بالحقائق والمعلومات الصحيحة، دون مبالغة أو تهويل وبحيادية ومهنية  وأن تمارس الدور المطلوب منها في إطار احترام الدستور والقوانين التي تفرض على الجميع معرفة الحدود بين الحرية والمسؤولية,إن من ضرورات الحكم الديمقراطي أيضا الشفافية في تسيير أمور الدولة والحوار الدائم بين الحاكم والمحكوم عن طريق وسائل الإعلام وجملة اتصالات منوّعة باتت معروفة لدى الجميع يجب التأكيد على أن الحكومة في خدمة الشعب، وليس الشعب في خدمة الحكومة، كما نراه من حولنا وفي كثير من الدول ذات الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، التي تعتبر الحكم ( السلطة) عبارة عن حياة يُغلب عليها الطابع ( الرعويّ )  القائم على أساس وجود طرفين في المعادلة هما ( راعي) و( رعيّة )، و(الراعي ) هو ( الحاكم السياسي ) الذي يكون على رأس  السلطة السياسية، بينما الرعيّة هم الشعب, وعليه تنتفي الحاجة إلى وجود تعددية سياسية في  النظام ( الرعويّ ) من السلطة, لأن الراعي ( الحاكم السياسي ) هو مفروض في قيادة الرعيّة والرعية مطالبة بالطاعة والخضوع, وبذلك فأن الخطاب المستخدم في هذه العلاقة (علاقة الراعي بالرعية ) في هذه الحالة، هو خطاب أمر ونهي والجواب المقبول هو الامتثال والقبول.

إن المنطق وتجارب الشعوب والأمم والممارسة العملية للسلطة تؤكد وجوب عدم اعتماد القوة كوسيلة بيد طرف ما لفرض إرادته على طرف آخر، لأن العملية السياسية حتماً تتكوّن من أطراف متفاوتة القدرة وبالتالي هناك القوي وهناك الضعيف. إنّ الاستخدام الحكيم لهذه الأوراق (القدرة أو القوة ) للوصول إلى تحقيق الأهداف هو لبُّ العمل السياسي, لذا قيل السياسة فن الحكم وفن إدارة الصراع. ومهما يكن الأمر لا يستطيع طرف غالب فرض كل ما يريد, لذلك تتم عملية مساومة مستمرة للحصول على أعلى المكاسب وتقديم أقل التنازلات. إن السياسة شأن يخص كافة مكونات المجتمع ويؤثر فيه، فالتعليم والإعلام والاجتماع والقانون والاقتصاد والحرب والسلام أمور تخصّ الناس جميعاً وتتأثر مباشرة بقرارات الحكومة وممارستها, وكل من يهتم بمناقشة هذه الجوانب ويتعامل معها فهو شاء أم أبى, يتعامل مع السياسة أي مع مصير الشعب وصيرورة تطوره, عليه أن يتقن فنّ التعامل مع قواعد اللعبة السياسية وأن يجيّرها لصالح الشعب, وإلا فلن يرحمه التاريخ .

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 34 بتاريخ 2016/1/1

16

التعليقات مغلقة.