مؤتمرا الرياض وديريك خطوتان مهمتان في مسار الحل السوري

52

شيار تصرف الإدارة الأمريكية له أسباب عدة من أهمها باعتقادي هو تخصيص مؤتمر الرياض لإيجاد مخرج لأزمة التمثيل السني وحسم الخيارات باتجاه دعم الكرد وحلفائهم المنضوين في إطار قوات سوريا الديمقراطية، لكن في إطار مستقل، وإلا فكيف يمكن تفسير تجنيد التحالف الدولي لقوته الجوية والدبلوماسية لتأمين تقدم وحدات حماية الشعب وعدم السماح بمشاركتهم في مؤتمر الرياض. كما أنه لا يمكن تفسير أن يقوم الأمريكيون بدعم مؤتمر الرياض ومحاولة إنجاحه عن طريق الوساطة السعودية، وأن يقوم حليفهم الآخر حزب الاتحاد الديمقراطي بمزاحمة المؤتمر، وعقد آخر في ديريك، إلا إذا كانت الخطوة بمباركة أمريكية سواء كانت مباشرة أو ضمنية

في بداية الألفية الثانية قام الباحث الأمريكي وليام زارتمان بنشر نتائج أبحاثه حول النزاعات والتفاوض وكان من أهم نتائج البحث، بناء على ملاحظاته من المسارات التفاوضية لعدة نزاعات، هو إطلاقه مصطلح “اللحظة الناضجة” التي تعني أن ما يسرع الوصول إلى حلول للأزمات والنزاعات هو أن طرفي التفاوض يصلان إلى نقطة يستحيل فيها الاستمرار في النزاع، لذلك يضطران للجلوس على طاولة الحوار للتوصل لاتفاق.
اللحظة الناضجة التي تحدث عنها زارتمان لم تكن قد حانت قبل مؤتمري الرياض وديريك لأسباب عدة من أهمها قوة النظام وعدم استعداده للتنازل بالقدر الذي تريده المعارضة، وخاصة في ظل الدعم غير المحدود الذي يتلقاه من حلفائه، مقابل معارضة لا تتلقى الدعم المطلوب من حلفائها الدوليين لتغيير النظام، أو للضغط باتجاه إيجاد مخرج للأزمة السورية حتى ينجلي المشهد في الساحة السورية باتجاه يدعم مصالح الدول الراعية للاتفاق.
ملامح سوريا الجديدة المطابقة للمشهد العراقي باتت واضحة، فالقسم العلوي يتحكم فيه النظام، وهنالك حكومة كردية متحالفة مع أحزاب وشخصيات عربية وسريانية تسيطر على مساحات شاسعة من غرب كردستان، وهما يشكلان طرفين متماسكين إلى حد كبير، مقابل معارضة سنية مشتتة لم يكن ممثلوها السياسيون يملكون سلطة على الأطراف العسكرية على الأرض، وبالتالي لم يكن بالإمكان جمع هذه الأطراف للتفاوض حول أمور لا يمكن للطرف السياسي السني أمر البت فيها.
جاء مؤتمر الرياض ليعالج جزئياً هذه المعضلة ويشكل مظلة جامعة للأطراف السياسية والعسكرية الميدانية على الأرض، ونجح في ذلك مبدئياً، حتى وإن كانت المعطيات لا توحي بأن هذه المظلة ستكون متماسكة، لكن على الأقل بدأ العمل على تشكيلها، وبالتالي بدأ العمل على تذليل أهم العقبات التي تعترض مسار الحل التفاوضي.
محاولة المؤتمرين في الرياض جمع الأطراف المؤثرة جيدة وتشكل ثاني خطوات الحل بعد جنيف، التي وافقت فيه المعارضة الجلوس مع النظام بعد أن كانت ترفض. لكن القيمين على المؤتمر تناسوا معضلة كبرى متمثلة بوجود كتائب متطرفة لا يمكن تعويمها دولياً. تجربة المجتمع الدولي وخاصة أمريكا في العراق مريرة حيث أنهم دعموا أطراف سياسية تحولت فيما بعد إلى ألعوبة بيد إيران وبالتالي فهم ليسوا مستعدين لدعم أطراف سورية لا تخدم مصالحهم.
بالمقابل فإن مؤتمر ديريك ورغم غياب قوى مؤثرة فيه لم يكن حالة طارئة، أو كما يقال رداً على مؤتمر الرياض، بل إن من خطط  لعقد مؤتمر الرياض هو نفسه من خطط لمؤتمر ديريك، خاصة بعد ورود إشارات أن الإدارة الأمريكية هي من وضعت فيتو على مشاركة (PYD) في مؤتمر الرياض كما صرح جيمس فوردمان الخبير في سياسات الشرق الأوسط في مداخلة على قناة (CNN) الأمريكية قبل أيام.
تصرف الإدارة الأمريكية له أسباب عدة من أهمها باعتقادي هو تخصيص مؤتمر الرياض لإيجاد مخرج لأزمة التمثيل السني وحسم الخيارات باتجاه دعم الكرد وحلفائهم المنضوين في إطار قوات سوريا الديمقراطية، لكن في إطار مستقل، وإلا فكيف يمكن تفسير تجنيد التحالف الدولي لقوته الجوية والدبلوماسية لتأمين تقدم وحدات حماية الشعب وعدم السماح بمشاركتهم في مؤتمر الرياض. كما أنه لا يمكن تفسير أن يقوم الأمريكيون بدعم مؤتمر الرياض ومحاولة إنجاحه عن طريق الوساطة السعودية، وأن يقوم حليفهم الآخر حزب الاتحاد الديمقراطي بمزاحمة المؤتمر، وعقد آخر في ديريك، إلا إذا كانت الخطوة بمباركة أمريكية سواء كانت مباشرة أو ضمنية لأن (PYD) يحتاج الدعم الدولي، ولا يقوى على شق عصا الطاعة لأسباب عدة منها عدم وجود توافق كردي مقابل تكالب عدد كبير من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة على مناطق سيطرته تحت غطاء من دعم حكومة العدالة والتنمية العدو اللدود، وبالتالي يعي قادته أن الخروج عن العباءة الدولية وخاصة الأمريكية سيدفع المنطقة وسيطرتهم عليها إلى مستقبل مجهول.
المعضلة السورية، وإن كانت قد دخلت منعطفين مهمين في جنيف والرياض، إلا أنها تحتاج للمزيد من العمل باتجاه إيجاد شريك سني قوي موجود على الأرض، ومقبول دولياً، الأمر الذي يبدو أنه سيستغرق المزيد من الوقت والجهود، وكذلك القضاء على داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة كجبهة النصرة وأحرار الشام،  وقد يكون مفتاح القضاء عليها هو قطع شريان الحياة التركية عن تلك التنظيمات عبر السماح لقوات سوريا الديمقراطية بتحرير المدن الواصلة بين عفرين وكوباني، الأمر الذي يمكن أن يكون من نتائج مؤتمر ديريك وإن تطلب الأمر بعض الوقت.

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 33 بتاريخ 2015/12/15

06

التعليقات مغلقة.