مؤتمرات ومبادرات وحروب
لاشك أن التدخل الروسي العسكري المباشر في الأزمة السورية بعد أربع سنوات من القتل والدمار الذي عانى منه الشعب السوري، بعد أن خسر ثورته على أيدي لصوص الثورات العربية والدول الإقليمية، قد حرّك مياه الأزمة الراكدة منذ سنين من التدمير وحرق الزرع والضرع، فهذا التدخل جعل من الدول المعنية بالأزمة للإسراع بعقد مؤتمر في فيينا، بحضور أهم الدول ذات التأثير المباشر على الأوضاع السورية، لاسيما أمريكا وتركيا وروسيا، فان كانت كل من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا تمثلان القوى المعتدلة والنظام فان تركيا كانت تمثل حلفائها على الأرض كتنظيم داعش وجبهة النصرة بكل تأكيد.
في الاجتماع الثاني في فيينا تم طرح مبادرة مفادها أن الحل يكمن في تشكيل حكومة وطنية مؤقتة تعمل للتحضير لانتخابات رئاسية في مدة أقصاها ثمانية عشر شهرا، وبين مدّ وجزر الآراء التي تلت المبادرة، قامت تركيا بحركة بهلوانية فأسقطت طائرة روسية مقاتلة، لتعيد النقاشات إلى المربع الأول، فقد صرح الوزير الروسي عقب إسقاط الطائرة: ” إن شروط مفاوضات فيينا قد تبدلت، وسنعيد النظر بكل شيء.” وهو بالطبع يعني إعادة النظر في رحيل رأس النظام الذي وافقت عليه روسيا بشروط وعلى مضض، كما أنه وفي نفس الوقت حدثت تفجيرات باريس لتعيد الكثير من الدول النظر في سياساتها، وتضع على رأس أولوياتها قضايا الإرهاب التي تهدد أمن بلدانها، قبل التفكير بأمن الشعب السوري.
في الجانب الآخر سارعت تركيا الى دعوة الائتلاف السوري لقوى المعارضة التي تتخذ من تركيا مثالا لها لتشكل مجلس عسكريّ على الأرض، قوامه جبهة النصرة بعد أن تعلن الأخيرة ارتباطها بتنظيم القاعدة، ومن جانب آخر أمرت التشكيلات الارهابية التي ترعاها شمال حلب بالهجوم على عفرين وحيّ الشيخ مقصود، لتختلط أوراق اللعبة مرة أخرى.
وفي الرياض، يتم التحضير لمؤتمر فاشل جديد للمعارضة السورية، وأصفه بالفاشل منذ الآن لما رافق دعوات المؤتمر من محسوبيات، واستزلام، وشراء ذمم، ومشاركة بعض قوى الإرهاب السوري كجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرهم، واقصاء من لم ترض عنهم تركيا تحديدا، كالقوى الكردية المشاركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفايي كردستان، لتدعو بعض الأسماء الكردية التي تسير في رحاب الفكر الإخواني المدعوم تركياً والمرحب به في الرياض، لهذا سيمرّ مؤتمر الرياض كما مرّ مؤتمرا جنيف وفيينا, وبينهما القاهرة، فالتجربة أثبتت أن لا نجاح لمؤتمر يفرض من الخارج ومن قوى تعمل بأجندات خارجية بعيدة عن هموم الشعب السوري الذي صار عنوانا لليتم والنفاق الدولي وما يرافق ذلك من مفردات كحقوق الانسان وكرامة البشر ومقومات العيش الطبيعي.
اليوم وبعد كل هذا الحراك ثمة ما يظهر ويطفو على السطح المتأزم اسمان لا ثالث لهما هما روسيا وتركيا، ويمكن القول أن الصراع الخارجي على سوريا سينتهي بانتصار أحد الطرفين تركيا أو روسيا، ومن خلال قراءة بسيطة للواقع السياسي العالمي والتاريخي، يمكن لنا أن نتنبأ وبوضوح أن الانتصار سيكون روسيا وذلك لعدة أسباب منها:
– إن تركيا تعتمد على الغير” ناتو ” في حين روسيا تعتمد على قدراتها عسكريا وسياسيا.
– تركيا تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية حقيقية وحرب عدوانية ضد شعب أعزل ” الكرد ” مما سينهكها اقتصاديا وسياسيا وبشريا، في حين تبدو روسيا كدولة صاعدة اقتصاديا وسياسيا، ولديها العديد من مفاتيح الأزمات في العالم ( أنابيب الغاز، النووي الايراني، ومفاتيح الحل لعديد من قضايا دول القرم.. )
– السوق التركية بالنسبة لدول الغرب لم تعد تغري اقتصاديا بقدر ما تغري السوق الروسية للرأسمال الغربي .
– الدعم التركي المباشر والعلاقات التي تتكشف كل يوم بين تركيا وتنظيم داعش الذي هو الخطر الأكبر الذي يهدد السلم العالمي، وحياة الناس، لاسيما بعد تفجيرات باريس.
مما سبق يتوضح لنا أن الحراك الحالي على الأرجح لن يلقى نجاحا يذكر، ما دام راعية تركيا والسعودية، ومادام هناك إغفال كبير للقوى الفاعلة على الارض وفي الداخل السوري، وأرى أنه من المحال وبعد كل الانجازات التي تحققت في روجافايي كردستان سيكون من الصعوبة بمكان إنجاح أي تجربة أو مبادرة دون إشراك فعلي للقوى السياسية والعسكرية التي تمثل تطلعات الشعب السوري بكل أطيافها وأعني به تحديدا تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفايي كردستان، والتي بنت مما بنته وحدات حماية الشعب والمرأة التي وقف العالم كله اجلالا لبطولاتهم وأساطيرهم التي حطموا بها رعب داعش وغيره من قوى الارهاب كدول وكمجموعات عسكرية.
هناك حاجة حقيقية لمؤتمر وطني سوري جامع يجمع كل الأطياف التي قررت أن تعيش سوية على هذه الارض، وتشعر بمعاناة البشر، وبقيت معهم، وقدمت مثلهم الشهداء وتحملت الجوع والعطش والظلام وبطش النظام، الذي لم يتعرف عليه ممن يسكن فنادق أنقرة واستانبول وهولير وباريس والرياض ويدعو لمؤتمرات تطيل الوجع السوري وتساهم في تفاقمه، نحتاج مؤتمرا آخر يدعو لسوريا تعددية ديمقراطية لا مركزية، يشارك به كل من يهمّه المواطن السوري والوطن السوري، مؤتمرا لا يقصي إلا الارهابيين وتجار الدم السوري.. مؤتمرا ينعقد في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية المحررة.!
*الرئيس المشترك لحزب التغيير الديمقراطي الكردستاني
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 33 بتاريخ 2015/12/15
التعليقات مغلقة.