القضية الكردية في سورية – هل هي قضية شعب.. أم قضية أحزاب؟؟!

132

للإيضاح أسأل مثلاً: هل الإدارة الذاتية الديمقراطية مؤسسة وطنية تخدم الشعب؟ أم هي مؤسسة حزبية تخدم أجندات حزبية “؟!

فريد كانو

إن الشّعوب في المجتمعات التي ترقى سلم التقدم والتطور هي من تقرر مصيرها, وتختار ما هو مفيد لديمومتها في العيش عبر مراحل تطور البشرية من عصر المشاعة وحتى يومنا هذا. فالشعب الكردي الذي ناضل عبر قرون طويلة وعانى من الظلم والاستبداد والدكتاتورية والذي حافظ على هويته القومية جديرٌ به أن يعيش بكرامة على ترابه الذي احتضن رفات الشهداء والآباء والأجداد .

فالحركة السياسيّة الكرديّة أخفقت في بعض الأحيان, وكان الشعب ضحية تلك الإخفاقات والأجندات الحزبية. فتعثر نضاله في المسار الشاق من خلال تبني كل حزب أيديولوجية معينة لحل القضية الكردية تعددت بين المناداة بالفدرالية .. واللامركزية السياسية .. والتعددية .. والدولة الديمقراطية.

المتتبع للأحداث التي تجرى في المنطقة يرى أن اللوحة السياسية ضبابية لدرجة عدم الرؤية حيث التنافر والصراع بين الأجندات الحزبية وتفضيل المصلحة الحزبية, والشخصية والأنا الذاتية على المصلحة القوميّة للشّعب الكردي, فالأحزاب أشغلتها الولادات المبكرة ودون عملية قيصرية وأحياناً بدون حمل لأنها تلد من نور بعضها البعض بوجود الأب الروحي الذي يتبنى المولود الجديد “ربي يسر ولا تعسر”.

أقولها بمرارة وحسرة وغيرة .. بلغ السيل الزبى .. لا بل طفح الكيل فالشعب لا يحتمل كثرة الجروح في جسده ولم يحتمل ألم التشرذم والخوف على تشتت القضية الكردية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الشعب صاحب القرار؟ أم أنّ السياسيين هم المقررون نيابة عن الشعب وفق مقياس أيديولوجيتهم؟!

قد يقول قائل إن الشعب في وادٍ والأحزاب في وادٍ آخر, فهذا انتقاص للحركة السياسية الكردية ودورها في هذا المسار والمرحلة التاريخية المفصلية الحساسة والبالغة الخطورة التي تمر بها روجآفاي كردستان .

فالحركة السياسية الكردية عليها أن تتجاوب مع استحقاقات المرحلة من خلال إيجاد استراتيجية سياسية وفكرية, ورص الصفوف وتوحيد الخطاب الكردي بما يتماشى مع متطلبات الشعب وتحقيق آماله وأحلامه.

و للإيضاح أسأل مثلاً : هل الإدارة الذاتية الديمقراطية مؤسسة وطنيّة تخدم الشعب؟ أم هي مؤسسة حزبية تخدم أجندات حزبية …؟!

لا شك الاختلاف موجود في الرؤى. فهناك من يضعها تحت مجهر الوطنيّة, وهناك من يراها مؤسسة حزبية, وفي بعض الأحيان تختلط الأمور بين القبول والرفض, كلٌ حسب الحالة الفكرية والثقافة والموروث الاجتماعي فهناك من يقرر بضرورة هكذا إدارة وفي نفس الوقت يقول بأنّها إدارة غير شرعية لا أدري من أين تأتي الشرعية طالما هناك ضرورة لوجودها. وهي تقدم الخدمات والحماية..؟  فالخدمات ضرورة ملّحة ويومية يستفيد منها عموم الشعب, وكذلك حماية المنطقة من الجماعات التكفيريّة الإرهابية من داعش وغيرها. فلولا وجود وحدات حماية الشعب, والمرأة. والذي لا يستطيع أحدٌ إنكار دورهم وتضحياتهم وبسالتهم. والكل يقر بضرورة وجود هكذا قوة تحمي المنطقة من الإرهابيين والمتربصين بالشعب في عموم روجآفاي كردستان لما أنعمت المناطق الكردية بهذا الأمان والاستقرار بالنسبة لعموم الخارطة السورية. فالحماية والخدمات أمرين أساسين للاستقرار في المناطق الكردية, فهناك الكثير من الجوانب الإيجابية في هذه الإدارة أتفق معها وفي نفس الوقت يوجد بعض الجوانب السلبية المرفوضة والممارسات الفردية من ذوي النفوس المريضة, لكن  تجاوز النواقص والسلبيات وتطوير وحماية الإدارة نحو الأفضل واجب وطني يتطلب من الجميع, ليس بأسلوب استفزازي عبر التشهير بوسائل الإعلام والدّعاية والترويج. بل بأسلوب حضاري عبر جلسات الحوار وبروح من المسؤولية, ذلك يتطلب عملاً جماعياً يشترك فيه الجميع عبر مؤسسات الإدارة الذاتية .

فمنذ تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا عام 1957 كان برنامج الحزب يرتكز على أن يدير الكرد إدارة شؤون مناطقهم من النواحي التعليمية, الثقافية, والخدمية. وجميع الأحزاب تنادي بهكذا طرح الآن .. فالاختلاف موجود وليس في الجوهر بل في  الأسلوب.

في الولايات المتحدة الأمريكية سيدة السياسة العالمية تدار الدولة عن طريق حزبين  (جمهوري وديمقراطي) يختلفون في آلية معالجة بعض الجوانب من الأمور من ناحية الضمان الصحي, الضرائب, ….  إلخ لكنهم متفقون في السياسة العامة للدولة وإدارة شؤون مصالح شعبهم .

يقول الثائر (تشي غيفارا ): ” أنا لست محرراً, المحررون لاوجود لهم, بل الشعوب هي من تحرر نفسها ”

فالشعب يجب أن يتحرر من التبعية, وأن يكسر الحاجز النفسي وأن يتصالح مع بعضه ويضع مصلحته فوق كل المصالح والاعتبارات والولاءات السياسية. فعلى الشعب الكردي أن يقرأ التاريخ ويفهم الحاضر ويستشرق المستقبل, كي لا يقبل الواقع الأليم  بل عليه أن يسترد كرامته وحريته وأن يكون صاحب موقف وكلمة وقرار وأن يقول كفى رسم خرائط واستراتيجيات حزبيّة ضيقة على جسد الشعب المنهك في هذه الأيام أسماء كثيرة من السياسيين يلعبون هنا وهناك لتكبر المأساة لهذا الشعب, فليلعن الشعب الدولار, والمال السياسي! الذي أصبح في يومنا هذا فوق كل الاعتبارات الوطنية والقومية .

رأفة بالشعب أيها السياسيون, فالفرصة سانحة قد لا تتكرر فأنتم أمام امتحان تاريخيّ كبير, ونحن من نملك الأرض والتاريخ, وشعباً ذا إرادة فولاذيّة يضحي بنفسه من أجل قضيته, ويحترم رموزه, فكونوا على قدر المسؤوليّة التاريخيّة.

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 31 بتاريخ 2015/11/15 

 

مقالات1

التعليقات مغلقة.