الفدراليَّة هي الحل الأمثل سوريَّاً ….!!!!!

99

اكرم حسينتعتبر معركة جالديران التي وقعت في 23 آب عام 1514 بين  جيش السلطان سليم العثماني والشاه إسماعيل الصفوي الذي هزم جيشه، انعطافة مهمة في تاريخ الأمة الكردية حيث قسمت كردستان رسميا عام 1639 بين الامبراطوريتين؛ الصفوية  والعثمانية إثر عقد الشاه عباس والسلطان مراد العثماني معاهدة بينهما، ثم تلاه التقسيم الثاني لكردستان “العثمانية “بموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، وألحق قسم منها بالدولة السورية، عرف هذا الجزء فيما بعد في الادبيّات الحزبية الكردية بـ” كردستان سوريا “، و نتيجة لهذين التقسيمين وزعت أراضي كردستان بين تركيا والعراق وإيران وسوريا واضطر الكرد إلى إعادة تعريف “هوياتهم” بدلالة الدولة التي ألحقوا بها والشّعوب التي تقطنها، وقد تجاهلت الدولة السورية الناشئة في مسار تقدُّمها وتطورها الشعب الكردي في سوريا كشعب أصيل يعيش على أرضه وفي موطنه التاريخي كثقافة ولغة وحقوق، خاصة بعد سيطرة الديكتاتوريات على دستالحكم، وبلغت ذروة هذا “التجاهل”  خلال حكم البعث الفاشي بإصداره العديد من المراسيم والفرمانات كالتمييز في الوظائف، واجراء إحصاء جائر، ومصادرة الأراضي، ومرسوم منع التملك49،وممارسة التعريب والفصل من الوظائف لأسباب سياسيّة، والتي استهدفت الكرد في وجودهم وهويتهم رغم كل ما قدموه من تضحيات في سبيل استقلال وتحرر الدولة السورية وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، برز منهم قادة ومثقفون أمثال إبراهيم هنانو ويوسف العظمة وأحمد البارافي ومحمد كرد علي ومحمد علي العابد وممدوح سليم وعلي بوظو وغيرهم الكثير.

لقد خلقت اتفاقية  سايكس بيكو وما تلاها من سياسات اقصائية وعنصرية تجاه الكرد والمكونات الأخرى، بلداناً هشّة وغير متجانسة وتفتقر إلى الانسجام والتماسك وتعاني منذ تشكلها وحتى اليوم مشكلات قومية ، ونزاعات حدودية( لواء اسكندرون مثالا)،وعدم اندماج وطني وخلافات داخليّة وخارجيّة، وبعد الممارسات البشعة للسلطان عبد الحميدالثاني وقوات الاتحاد والترقي 1915-1923 شهدت كردستان تركيا حالة نزوح وهجرة من الارمن والكرد والسريان باتجاه مناطق كردستان سوريا(الجزيرة )تبعها حركة نزوح ثانية بعد توقيع معاهدة لوزان1923 وانهاء ما تم منحه في اتفاقية سيفر 1920للكرد والأرمن من حقوق، مما شكل مؤشرا لاحتمال أو إمكانية تكرار ما لحق بالكرد والارمن من أذى، وكانت الهجرة الثالثة من كردستان تركيا باتجاه كردستان والتي يفصل بينهما الخط الحديدي بعد فشل ثورة الشيخ سعيد1925هربا من القمع والاضطهاد والنفي إلى مناطق الداخل التركي، كل ذلك أدى إلى قيام شخصيات كردية سورية وتركية وبعض الزعامات القبلية، التي تحمل إرثا نضاليا في مواجهة السلطات، الى تأسيس حركة خويبون (الاستقلال)القومية في صوفر بلبنان 1927،ثم تأسس لاحقا الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا 14 حزيران 1957 كتمثيل سياسي يدافع عن المصالح القومية والاجتماعية لكرد سوريا بعد تجاهل وإهمال مصالح وتطلعات هذه الشريحة الواسعة من الشعب السوري في برامج الاحزاب الوطنيّة السورية (يسارية-قومية-دينية) وفشل الدولة في التعبير عن جوهرها كدولة محايدة وعمومية، دولة لا تنتمي إلى قومية أو طائفة أو طبقة أو دين، دولة يندمج فيها الكل الاجتماعي، أما اليوم ورغم كل ما جرى في سوريا وما أحدثته الثورة من تغيير وما أفرزته من وقائع على الأرض من عصبيات وتناحرات وصراعات وتفكك في بنية الاندماج المجتمعي، فليس لدى السوريين من سبيل سوى العودة إلى تكثيف اللقاءات والحوارات والاتفاق على شكل الدولة القادمة، وصياغة  عقد اجتماعي جديد يحفظ للجميع الحرية والكرامة وتكافؤ الفرص، عقد يعترف بالجميع ويحفظ حقوق الجميع أفراداً ومكوناتٍ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية للدولة السورية والاعتراف بحقوق المكونات المختلفة قومية كانت أم دينيّة، واعتماد الفدراليّة نظاما للحكم فيما لو أردنا أن تبقى سوريا بحدودها الراهنة، لأنّ الاندماج الوطنيّ لا يمكن أن يتحقق في ظل القمع والاستبداد والتمييز والاقصاء واضطهاد الآخر، فسوريا اليوم باتت مُقسَّمة في ظل سيطرة المجموعات المسلّحة على أجزاء من أراضي الدولة ولكلٍّ منها نظامها السياسي والاقتصادي والمالي وتتبع إلى جهات محددة خارج الحدود لا علاقة لها بالداخل السوري، فقد خضعت سوريا على مدى أكثر من أربعة عقود لهيمنة الفكر القومي والبعثي العنصريّ والسياسات الفاشيّة المتطرفة في دعايتها  لأجيال مناهضة للشعب الكردي والقوميات الأخرى، وتحت شعارات ” الانفصال “ومحاولة” اقتطاع “جزء من الأراضي السوريّة واتباعها لدولة أجنبية ،اعتقل العشرات من مناضلي الشعب الكردي وزج بهم في سجون الدولة السورية، ومؤخرا طلع علينا بعض المعارضين الديمقراطيين ممن أصبحوا “ملكيين ” أكثر من نظام البعث الفاشي السابق ومعادين بالمطلق لفكرة إنشاء كيان كوردي في سوريا  تحت عناوين “المواطنة” ووحدة سوريا “ارضا وشعبا “و “سورية الواحدة الموحدة” وإلى ما هنالك من اختزال ونفي للتعدد القوميّ وهي عودة إلى سياسات النظام السابق في نشر الكراهية والأحقاد بين الشعبين العربي والكردي، فقبل عام 2011 كانت مطالب الكرد بالاعتراف والمساواة بوجودهم والاندماج في إطار الهوية السورية تقابل بالرفض وعدم القبول من قبل غلاة شوفينيي القومية السائدة، أما الآن فهم من يلجؤون إلى طرح ما كانوا يرفضونه سابقا لخوفهم من إقامة كيان كردي بعد اختلال موازيين القوى و سيطرة القوات الكردية على معظم جغرافية كردستان، فحق تقرير المصير للشّعوب والأمم  يعتبر اليوم أحد أهم المبادئ المتعارف عليها في القانون الدولي المعاصر وركيزة لتنظيم العلاقات الدوليّة وعلى هذا الأساس فإنّ الدول التي تقتسم  كردستان اليوم مُلزمة باحترام حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، بما فيه حقه بالانفصال وتأسيس دولته المستقلة، أو حرية الاختيار والانضمام إلى أية دولة أخرى باتحاد فيدرالي، شرط أن لا يخل ذلك بحقوق الأمم والقوميات الأخرى، لأنّ هذه الدول أعضاء في هيئة الأمم المتحدة!! وسيبقى طموح الشّعب الكردي في الوحدة وتأسيس كردستان الكبرى الحلم الأكبر بالنسبة له، ويجب أن يقف  إلى جانب نضاله وطموحه وخياراته المشروعة، كل الديمقراطيين الحقيقيين المؤمنين بحق تقرير مصير الشعوب والمنصوص عنه بالإعلان العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948.
 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 31 بتاريخ 2015/11/15

 

مقالات1

 

 

 

التعليقات مغلقة.