الحرية الاقتصادية بوابة الحريات العامة

29

عامر هلوش“في تجربة إقليم كردستان العراق في العقدين الأخيرين فشلت الحياة السياسية كتجربة رائدة وجديدة بالمنطقة بسبب الاحتكارات الاقتصادية التي تمارسها منظومات إدارية محددة تحتكر العمليات الاقتصادية والتجارية البينية وخاصة مع الجوار التركي مثله كمثل كل دول محيطه العربي

 

العلوم الاقتصادية هي مجموعة من النظريات والتجارب البشرية وركن أساسي في العلوم الاجتماعية التي تهتم بترتيب وتحليل النشاطات التجارية والاستثمارية وفهم كيف تتم عملية الإنتاج بكافة مراحلها وحالة السوق ومزاج الجماهير وحاجاتهم إلى عمليات الشراء والبيع وتحقيق فائض ربحي أي الاهتمام بدورة رأس المال كاملة ومترابطة, وكلما تسارعت عمليات النمو الاقتصاديّ للمجتمع تحسّنت مستويات المعيشة فيه وارتفعت سويّة الفرد فيه, ولتحقيق هذا النمو يجب زيادة الموارد الانتاجية من خلال البحث عن المزيد من الموارد الطبيعية, وابتكار تقنيات جديدة من خلال نظام رأسمالي يكون بوسع الفرد فيه من حرية التملك المادي والمعنوي والعقاري من مصانع، معامل، سكك حديد ومشاريع كهرباء وغيرها. حيث تشجع الرأسمالية حرية العمل التجاري الفردي وتسمح للناشئ أن يباشر أنشطته الاقتصادية بصورة مباشرة ومتحررة إلى حد كبير من التدخل والتحكم الحكومي حيث تلعب الأنظمة الاقتصادية دوراً مزدوجاً في تأسيس مجتمع حر, لأن الحرية بمفهومها الأوسع هي الجزء المهم من الحرية الاقتصادية التي هي وسيلة لا يستغنى عنها لتحقيق الحرية السياسية, وإن الدليل التاريخي يتحدث بكلمة واحدة عن العلاقة بين الحرية السياسية والسوق الحرة وخاصة مع بدايات الثورة الصناعية والتطور المهني للآلة ميكانيكياً في مطلع القرن المنصرم ولقد أظهرت الأحداث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية مشروع ماريشال التنموي والإعماري لما هدمته الحرب علاقة جديدة ومترابطة بين الحريتين الاقتصادية والسياسية حيث أن التخطيط الاقتصادي الجماعي قد تعارض فعلاً مع الحرية الفردية وأحدث نقلات متذبذبة في السوق وأن التغيير الأقرب لهذه النقلات في السياسة الاقتصادية هي النجاح المحدود للتخطيط المركزي أو فشله الكامل في تحقيق الأهداف المعلنة وأن المشكلة الأساسية للنظام الاجتماعي هي كيفية تنسيق النشاطات الاقتصادية لأعداد كبيرة من البشر فحتى المجتمعات الرجعية نسبياً لا بد من تقسيم شامل للعمل والتخصص في الوظائف من أجل الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة, لذلك يمكن للتبادل التجاري الحر إحداث ذلك التنسيق دون ضغط وكنموذج عملي ومنطقي لمجتمع منظم من خلال التبادل الطوعي المتوازن وهو اقتصاد تبادل المشاريع الحرة الخاصة والتي يطلق عليها الرأسمالية التنافسية وطالما تمت المحافظة على الحرية الفاعلة في التبادل التجاري, فأن السمة الرئيسية لنظام السوق المفتوح للنشاطات الاقتصادية هي منع الفرد من التدخل بشؤون الآخر, وأن معظم الآراء المعادية للسوق الحرة مبنية على عدم الإيمان بالحرية ذاتها من الأساس أن وجود السوق الحرة لا يلغي بالطبع الحاجة إلى الحكومة بل على العكس من ذلك فأن للحكومة دور أساسي كمنبر يحدد قواعد اللعبة وحكم يفسر ويطبق القواعد المتفق عليها ومن أجل أن يقوم البشر بتأييد أي شيء لا بد أولاً أن يكونوا قادرين على كسب لقمة العيش ويقدم معهد فريزر الكندي للدراسات الاقتصادية مؤشراً للحرية كمعيار عالمي واسع عن الحرية الشخصية والمدنية الاقتصادية ويستخدم المعهد 76مؤشراً مستقلاً لقياس الحريتين الشخصية والاقتصادية في 152   دولة من حيث سيادة القانون والأمن والأمان وحرية الحركة ومن حيث الحرية الدينية والمجتمع المدني والجمعيات الأهلية وعن حرية التعبير والعلاقات وحجم الحكومة والنظام القانوني وحقوق الملكية والعملة المستقرة, وعن حرية التجارة دولياً وتنظيم العمل وسوق العمل والتسهيلات الائتمانية, ليستخلص بالنتيجة أن الدول ذات النظام الاقتصادي الحر الرأسمالي هي أكثر تطوراً وازدهاراً للحياة السياسية والحريات العامة للفرد من الدول ذات الاقتصاد الموجه والذي تديره الدولة المركزية.

وفي الحالة السورية الراهنة مازال الصراع الاقتصادي قائماً على أشده بين السلطة المركزية القابضة عليه من جهة وحاجات الشعب الأساسية والملحة من جهة أخرى وربما يفوق هذا الصراع شراسة نظيره الصراع السياسي المستطير بأحادية الاقتصاد ضاربة بأحلام وآمال الشعب عرض الحائط غير آبهة بمعاناته فمعدلات البطالة مازالت بارتفاع وفرص العمل في شحّ مستمرّ وهجرة الأيدي العاملة والكفاءات إلى خارج الوطن على أشدّه وجميع العاملين في الحقل الاقتصادي بالداخل والخارج مجمعين على أن هناك أزمة بنيوية في الاقتصاد السوري بما فيهم أقطاب السلطة وخبراؤها, وهي جزء من أزمة البلد الديمقراطية لن تفرج ألا بالحلّ السياسي المنتظر.

أن المجتمعات العربية بأغلبها مكبوتة سياسياً بسبب الاحتكار الاقتصادي الذي تمارسه السلطة أو من يمثلها عموماً باستثناء تجربة دولة الإمارات وبالخصوص حكومة دبي ونتيجة للانفتاح الاقتصادي وحرية العمل والتجارة وغيرها. تنتفي المطالبة بحياة سياسية مثلى وذلك بسبب البحبوحة والنعيم الذي يعيشه أفراد الدولة هناك, وتنتفي الحاجة الى نظام برلماني يكون في شكله الصوري نوع من الفنتازيا السياسية, وبالمقابل وفي تجربة إقليم كردستان العراق في العقدين الأخيرين فشلت الحياة السياسية كتجربة رائدة وجديدة بالمنطقة بسبب الاحتكارات الاقتصادية التي تمارسها منظومات إدارية محددة تحتكر العمليات الاقتصادية والتجارية البينية وخاصة مع الجوار التركي, مثله كمثل كل دول محيطه العربي وبالمحصلة أن الأنظمة الشمولية, تنتج اقتصاد فاشل يقود إلى دولة فاشلة والعكس صحيح ويبقى مشروع ماريشال للتطوير الاقتصادي والتنموي بعد الحرب العالمية الثانية خير دليل على أن الاقتصاد الحر والحرية الاقتصادية هما البوابة الرئيسية لكل  الحريات العامة والخاصة في المجتمعات البشرية.

*باحث وناشط مستقل

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 31 بتاريخ 2015/11/16

 

مقالات2

التعليقات مغلقة.