الهويه المتعددة.. بين الشعبويّة والقانون
“بعيداً عن كل الحراك السياسي يبقى السؤال الأهم المطروح على طاولة أصحاب القرار في المنظومة الديموقراطية،” أين المجتمع المدني الكردي” ؟؟!!
عدنان الأحمد
لم يعد باستطاعة أي نظام سياسي إخفاء التركيبة السكانيّة ضمن حدوده الجغرافية الراهنة، ولم يعد بالإمكان مواجهة الفشل الذي أصيبت به الأنظمة الشمولية بالقمع والإدعاء الكاذب!!.
وأصبح من الواضح أن السبب الأساسي في فشل هذه الكيانات هو البناء الاجتماعي المبني على الاقصاء و الإلغاء مما أدى الى انهيار المنظومات الاجتماعية وفشلها قبل الأنظمة كونها القوة الحقيقة في البناء الهرمي للمجتمعات.
في بداية الألفية الجديدة بدأت الأنظمة هذه بمحاولة إيجاد حلول من خلال اطروحات لمفكريها لإعادة دمج مكوناتها الإجتماعيه ضمن التعريف الهوياتي الوطني لها باعتراف خجول بالتنوع العرقي والديني والثقافي لشعوبها!. هذا التمييع الواضح والالتفاف حول المعضلة الأساسية كان سبباً جديدا في تضخم الأزمات.
فالإرث المرافق للمشكلة كبير ويتطلب تشريح حقيقي للأزمة وتأمين حلول واضحة وزمن كافي لإعادة بناءه. ظهرت حينها محاولات إعادة تعريف الهوية الشاملة المتعددة للمجتمع المتنوع التركيب الاثني والديني دون أدنى استعداد لإعادة تعريف الهوية الوطنية وفق هذه الهوية الاجتماعية المتعددة.
بتناول بسيط لتعاريف الهوية وأشكالها يمكننا الوقوف على التمييع الممارس من قبل الحكومات في البحث عن مخرج لها من خلال تعاريف للهوية المتعددة وإعطائها صفات تخدم نظامهم الشمولي .
المعضلة تتجسد في المستوى الشعبي من خلال إصرار الشريحة لإجتماعية المترعرعة تحت سلطان هذه الأنظمة وأفكارها على تمييع الهوية المتعددة بمفاهيم تعود الى الجذر الشمولي الرافض للاعتراف بالاخر كندّ.
الهوية في تعريفها الاديولوجي: تعود الى الفرد بصفاته المنفرد بها عن غيره، و بالعربية تعود جذر الكلمة الى ” هو ” ومنه الهوية.
من هذا التعريف نستطيع أن نعرف وندرك مدى خصوصية الشكل البنيوي المكون لأي هوية شاملة متشابهة ” كالقومية والدينية ” ومنه ندرك صعوبة أن يتم تمييع الهويات المتعددة وإظهارها بشكل مشوه كظفرة غير قابلة للتكاثر لاحقا.
في الشرق الأوسط، النظام التركي مثال واضح في ظل حكومة العدالة والتنمية، كنموذج يحاول إعادة صياغة الهوية الاجتماعية بشكلها المتعدد لكن بما يخدم الهوية المتحكمة بالنظام الهيكلي الاتاتوركي للدولة، فحاولت قدر الامكان أن تعرف البعد المتعدد للمجتمع التركي ضمن هوية تركية متعددة المشارب، فاصطدمت في نهاية الامر بعقمها الذاتي عن ولادة أي شيء منتج قابل للحياة .
الهوية المتعددة تعني احترام خصوصيات الجماعات المشكلة لمجتمع ما، وإعطائهم شخصيتهم الاعتبارية الكاملة، ليتمكنوا فيما بعد من فرز منتج إجتماعي يصب في خانة الوطنية الشاملة الجامعة للهويات المتفرعة منها، لا المصهرة لهم ، فلا يمكن أن أطلب من الكردي أن يحمل هوية وطنية بصفات لا تعود إليه.
الثورة السورية في مرحلة الاصطفاف القومي والطائفي والاستقطاب السياسي خلال الحرب الأهلية العابرة لحدودها، أفرزت فكرا اجتماعيا مشوهاً لا يختلف عن الأردوغانية في تعريفه للهوية المتعددة.
فتراهم اقترحوا “الشعب السوري واحد” في إشارة مبطنة أن حدود الاعتراف بالكرد هو ضمن رؤية تتفرع من الشموليّة القوميّة الحاكمة للسوريين، ومن ثم تناولوا مفهوم الشعوب على أنه تقسيمي، فبمجرد رفض الآخر الاعتراف بوجود اتحاد شعوب ضمن سوريا الجغرافية ورفض إطلاق مصطلح الشعب كبنية تعريفيّة تترتب عليها مجموعة التزامات دستورية لاحقاً فهو تمييع ضمني للهوية المتعددة لتصبح هوية قومية متعددة المشارب بصفة واحدة تمثل مكون واحد.
في القانون المتفرع عنه أصله الدستوري: الدستور هو من يعطي تعريفا للهوية، والهوية تعطي فيما بعد الحقوق والواجبات لأفراد الدولة ضمن تعريفها له.
من هنا شعبويا يفسر البند على أنه تحصيل لاحق قي مرحلة تلي الاتفاق السياسي, لكن في الحقيقة هو توافق يسبق كل شيء.
في منظومة المجتمع الديموقراطي في روجآفا محاولة جادة لإعادة بناء هوية متعددة تمثل تواجد كل مكوناتها في حقل قانوني. لكن السؤال هنا:
إلى أي مدى هناك توازن في حجم الهويات ضمن البنى الهيكيلية والتعريفية للمجتمع والنظام والقانون؟؟..
الكرد : في منظومة المجتمع الديموقراطي الكردستاني غير معرف الهوية بشكله السليم والمشكلة لا تقود الى قصور القانون في المنظومة بل الى تجاه نقطة جوهرية في نتاج الهوية وهو المجتمع المدني . الكرد بحاجة الى مجتمع مدني يتم من خلاله تصقيل الصفات الخاصة بالهويّة الكرديّة وفق ممارسة مدنيّة لا سياسيّة, وضمن ممارسة فكريّة لا سياسيّة تحزبيّة.
بعيداً عن كل الحراك السياسي يبقى السؤال الأهم المطروح على طاولة أصحاب القرار في المنظومة الديموقراطية،” أين المجتمع المدني الكردي” ؟؟!!
نُشر هذا المقال في العدد(30) من صحيفة “Buyerpress”
2015/11/1
المدير التنفيذي لمركز النورس للدراسات المتوسطية
التعليقات مغلقة.