جكرخوين

198
1425
طه خليل

وحشة

زاوية يكتبها طه خليل  

كل سنة في مثل هذه الأيام يحتفل الكرد؛ سياسيون ومثقفون بذكرى رحيل الشاعر الكردي جكرخوين، يحدث هذا منذ واحد وثلاثين عاما، وعبر كل هذه السنوات يجتمع المحتفلون، ويلقون على أسماعنا الخطب الحماسية، والكل يصرّ أنه يقتدي برؤى الشاعر ويسعى لتحقيق حلمه، من وحدة الكرد الى نبذ الخلافات مرورا بإشعال ثورة تحرر كردستان الكبرى , تبني لأحفاد الشاعر وطنا من الذهب والنرجس والبترول والعدالة والحقوق.

ولا ينسى المحتفلون أن يتحفونا بقصائد عصماء لشباب وشابات يسمونهم شعراء فيتمايلون على المنصة ويدعون الفتاة الكردية للذهاب الى المدرسة والتعلم، ومن ثم حمل السلاح لتحرير كردستان، تماما كما كان المرحوم جكرخوين يدعو اليه، وفي ” الحوش ” يجلس الشباب والشابات الكرد وبأيدهم ” موبايلاتهم ” و”آيباداتهم” وهم لا يقلون علوما وخبرة عن بيل غيتس نفسه، ولا زال الشاعر الكردي يدعوهم للذهاب الى المدرسة، ناسيا أن لكل منهم خمس صفحات على تويتر وفايس بوك وغير ذلك.

في هذا العام تقاسم إقامة الحفل اتحاد الكتاب الكرد واتحاد المثقفين، وكذلك أطراف من تف دم ومن حزب الشاعر جكرخوين ” التقدمي ” بدا أن الكل يحاول أن يظهر نفسه أنه أهل لجكرخوين، وأن جكرخوين للكل، فقط الجالسون كانوا يتأففون من الكلمات الطويلة، والقصائد العصماء التي توبخ السياسيين الكرد لأنهم لا يأبهون بمصير الأمة الكردية، ولا يوحدون الصف الكردي أمام الأخطار المحدقة بحلمهم.

كل شيء حاضر في هذه الذكرى، إلا الشعر، الشعر وحده يغيب، عن ذكرى شاعره، وما يردد ويقال ما هو إلا نوع من التقريع المنظوم، أو تدبيج بلاغة جوفاء وسجع أبله يسير الركب على هديه.

كم نظلم جكرخوين إذ نتركه لمن لا يعرفه، ولا يفكّ سره العميق، وينشر قصائد كتبها تضاهي قصائد كبار الشعراء في العالم، ما يختارونه من شعر جكرخون في مناسباته على الأغلب قصيدة ” كيمه أز ” اذا ينتشي الحاضرون بقصص البطولات، وتضخيم الذات وتحقير الآخرين.

جكرخوين شاعر شعبي، ومن هنا خطورته، علينا أن نحسن انتقاء ما نقدمه منه للآخرين، وإلا سيبدو الشاعر الكبير عنصريا، متعاليا، وقاتلا، فهو ببساطة يدعو لـ ” قتل الشيوخ والملالي ” مثلا.

وحدهم الداغستانيون أحسنوا التعامل مع شاعرهم رسول حمزاتوف، حين قدموه للعالم، فعرفت داغستان به.

حمزاتوف وجكرخوين هما من طينة شعرية واحدة، فهو الآخر لا يقل عن جكرخوين شعبية بين الداغستانيين، ولا يقل عنه في استخدام الشتائم والسخرية من رجال الدين وما شابه ذلك، وحتى في مسائل الفخر الزائد عن حده، والمبالغات كأن يقول ان الله كان قد احتفظ بقطعة أرض له، بعد أن وزع الأراضي والأقاليم على البشر، ونسي يومها الداغستانيين المشغولين بالحقول، وحين انتبه الداغستانيون، ذهبوا الى الله وشكوا إليه حالهم فقد نسيهم ولم يقدم لهم أرضا، عندها يقول لهم الله:” طيب.. تعالوا أعطيكم حصتي. ” وكانت طبعا حصة الله هي الأجمل والأغنى والأفضل.. فكانت داغستان.. الخ..!

بهذه الذهنية والرؤى تماما يلتقي الشاعران حمزاتوف وجكرخوين، والفارق بين شهرة الأول ان أهله وهو نفسه اشتغل على قصائده التي أوصلها للناس تنقيحا وتشذيبا إن كانت من خلال الفكرة أم من خلال الشكل.. في حين بقينا نقدم جكرخوين لليونسكو كما نقدمه لصديقه الحميم ” صالحى سلو بافي مصلح”. !

وحشة جكرخوين بين أهله لا تقل حتى هذا اليوم عن وحشة عاناها من أنظمة استبدادية أوصلته الى بلاد الاسكندناف يوما، ونحن ما زلنا نعتقد أننا لمجرد أن نخرج إلى الجبال سيهرب العدو مذعوراً منا وهو لا يلتفت خلفه كثعلب جبان.

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 30 بتاريخ 2015/11/1

 

271211

 

 

 

التعليقات مغلقة.