تركيا: من سيارة «إطفاء» إلى سيارة «مفخّخة»

26
10451796_929319247108131_4881372772737465272_n
هوشنك أوسي

كي يُبعد المسؤوليّة أو الشبهة عن حكومته وحزبه حيال التورّط في المذبحة التي شهدتها العاصمة التركيّة أنقرة، صبيحة 10/10/2015، كان على رئيس الوزراء التركي و «زعيم» حزب «العدالة والتنمية» أحمد داود أوغلو، إضــافـــة جماعـــة «بــــوكو حــــرام» النيجيرية و «الجيش الجمهوري» الإرلندي ومنظمات «فارك» الكولومبيّة و «لشكر طيبا» الباكستانيّة و «إيتا» الإسبانيّة و «حركة شباب المجاهدين» الصوماليّة…، إلى لائحة المنظمات الثلاث التي اتهمها بتدبير التفجير، وهي: «داعش» و «الكردستاني» و «جبهة التحرير الشعبي الثوريّة في تركيا»!. فالخيال البوليسي الخصب لأوغلو يمكّنه من وضع الضحيّة والجاني معاً في قفص الاتهام!.

التفجير الدموي والإرهابي الذي استهدف تظاهرة سلميّة مطالبة بالسلام، نظّمها «حزب الشعوب الديموقراطي» (الموالي للعمال الكردستاني) وحلفاؤه من التنظيمات اليساريّة التركيّة، تسبّب بمقتل ما يزيد عن 125 مواطناً تركياً، وأتى بالتزامن مع إعلان «الكردستاني» تعليق العمل المسلّح، استجابةً للنداءات المحليّة والدوليّة. وقد جاء في بيانه الصادر في اليوم نفسه: «لأن حزب العدالة والتنمية يمارس الكذب وتضليل الرأي العام، عبر اتهامنا بأننا نهدد أمن العمليّة الانتخابيّة وسلامتها، واستجابة للنداءات المحليّة والدوليّة، وفي حال عدم استهداف شعبنا وقوّاتنا، قررنا تعليق العمل المسلّح، كي لا تصاب العمليّة الانتخابيّة بأي أذى أو ضرر، وتمرّ في شكل سلس وعادل». ومع ذلك، فإعلام الحزب الحاكم، وقادته، من داود أوغلو حتّى أصغر عنصر، لا يتوانون عن اتهام «الكردستاني» بارتكاب مذبحة أنقرة! وفي حق من؟ في حقّ الموالين له؟!

بعد حدوث المجزرة، أصدر «الكردستاني» بياناً آخر، ذكر فيه: «لا يمكن إبطال هذه الذهنيّة والسياسات التي أنتجت هذه المذبحة وأوصلت الحرب إلى هذا المستوى، إلاّ بالنضال السلمي الديموقراطي»، مطالباً القوى الديموقراطيّة التركيّة بالقيام بتظاهرات سلميّة احتجاجيّة ضد مرتكبي المجزرة. ولم يذكر «الكردستاني» أنه سيرد بالعنف على هذه المجزرة، ما يعني أنه سيبقى ملتزماً بالهدنة التي أعلنها، حتى انتهاء العمليّة الانتخابيّة، المزمعة مطلع الشهر المقبل.

والحق أن البيانين الصادرين عن «الكردستاني» كانا أقوى صفعتين للحكومات التركيّة المتعاقبة، منذ اعتقال أوجلان سنة 1999. وغالب الظن أن المجزرة والبيانين المذكورين، ومواقف الحكومة التركيّة وسياساتها الراعية والداعمة للإرهاب، سترفع شعبيّة «الكردستاني» وأسهمه محليّاً ودوليّاً!

الأوقح من تصريحات قادة «العدالة والتنمية» وإعلامه في خصوص مذبحة أنقرة، انسياق بعض المعارضين السوريين إلى ترديد اتهامات داود أوغلو وإعلامه، ببغائياً، ورفض أيّة شبهة تحوم حول مسؤوليّة «العدالة والتنمية»! ذلك أن «داعش» الذي يُفترض أن تركيا أعلنت «الحرب» على إرهابه، لا يستهدف إلاّ التجمّعات والتظاهرات الجماهيريّة المواليّة لـ «الكردستاني» وحلفائه اليساريين المعارضين لأردوغان! بينما كل التجمعات الجماهيريّة التابعة للحزب الإسلامي الحاكم، تبقى في منأى عن هجمات «داعش» الإرهابيّة!؟ لذا، فإعلان داود أوغلو الحداد على ضحايا المجزرة أشبه بمن «يقتل القتيل ويمشي في جنازته».

أيّاً يكن الأمر، ومهما بلغت درجة الاختلاف مع «الكردستاني» لعلاقته بنظام الأسد، ينبغي ألا يكون ذلك منصّة للمعارضة السوريّة للإدلاء بشهادة زور لصالح حكومة «العدالة والتنمية»، وممارسة التضليل والبهتان في حق الكرد و «الكردستاني» داخل تركيا.

«حزب العدالة والتنمية» الحاكم كان، قبل اندلاع الثورة السوريّة منتصف آذار (مارس) 2011، يتحرّك كسيارة إطفاء في المنطقة، محاولاً إخماد الحرائق والصراعات، سواء عبر احتضان المفاوضات بين نظام الأسد وإسرائيل، والسعي الى إنهاء الخلاف بين «فتح» و «حماس» أو حل الخلافات بين الفرقاء السياسيين في لبنان والعراق. لكنه حوّل تركيا إلى سيارة مفخخة، عبر احتضانه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وتأمين التغطية والدعم لكل التنظيمات الإسلاميّة الإرهابيّة كـ «داعش» و «النصرة». أما الانتخابات المقبلة، فإمّا أن تفتح الطريق أمام تفكيك هذه السيارة المفخخة، أو أن السيارة ستنفجر، تماماً كما نظام «الإخوان المسلمين» في مصر، ونظام الأسد في سورية، عملاً بمقولة: «عليَّ وعلى أعدائي».

 

عن الحياة

التعليقات مغلقة.