لماذا افتعال كل هذه الضجة حول تدريس المناهج باللغة الكردية !!!

122

 

أكرم حسين
أكرم حسين

“تطبيق هذا القرار من جانب الإدارة الذاتية” المشيّدة هو تحدّ كبير يستحق الدّعم والمساندة؟ فكل الشّعوب والقوميات بدأت في تعلم لغتها وتدريس ثقافتها بإمكاناتها البسيطة”

 

تختلف العملية التربويّة والتعليميّة من مجتمع إلى مجتمع ومن نظام إلى آخر، وعادة ما يكون لكل منها هدف تربويّ وتعليميّ محدد؟ فالأهداف التربوية عادة ما تكون متوافقة مع الطبيعة الإنسانية وملبيّة لحاجات المجتمع ومشكلاته ومساهمة في الوقت ذاته في تنمية شخصية المتعلم وتطوير قدراته المادية والعقليّة، فالنظم الغربية عادة ما تهدف من خلال العملية التعليمية إلى إنتاج فرد مادي (مواطن حر) من خلال الاهتمام والتركيز على النزعة الفردية وتقديس الملكية الخاصة والدفاع عنهما، بينما كانت النظم الشرقية ولا زالت تركّز في نظمها التعليمية على النزعة الاجتماعية والملكية الجماعية من خلال تمجيد والحد من الملكية الفردية باعتبارها المصدر الاول لكل الشرور والآثام!! وقد اختلفت آراء الباحثين التربويين حول أهداف العملية التربوية والتعليمية, فالبعض منهم رأى بأنّ الهدف يكمن في إيجاد التوازن بين المعارف النظرية والتطبيقات العملية، بين الفنون والآداب وبين العلوم، أما البعض الآخر فقد رأى الهدف في التركيز وإظهار التفوق في ميادين الاختصاص ..الخ, واستنادا لما سبق يمكن القول بأن لكل عملية تعليمية أهداف ومقاصد يتم تحديدها من قبل القائمين عليها وهي عبارة عن إرشاد واعي يلبي احتياجات المجتمع المادية والروحية.
مناسبة القول السابق هو ما أثارته خطوة تدريس مناهج المرحلة الابتدائيّة (من الصف الاول حتى الصف الثالث) باللّغة الكردية من قبل “الادارة الذاتية “المشيدة في إقليم كردستان سوريا من ضجة إعلامية!! رغم عدم اطلاع البعض على مضمون هذه المناهج!! فالبعض رفض الفكرة لأنّها تفتقر إلى الأساس القانوني والشرعي من قبل النظام القائم متناسيا بأنه حتى الأمس القريب كان لا يعترف ( قولا) بشرعية هذا النظام ويطالب بإسقاطه مع رموزه ومرتكزاته بما فيها العملية التعليمية التي يذرف الدموع من أجلها.

بينما البعض الآخر قبل الفكرة من الأساس لكنه انتقد الالية وضرورة إشراك الكفاءات والتخصصات المتوفرة سواء في إعداد هذه المناهج أو في تدريسها ووجوب إخضاع القائمين عليها لدورات مكثفة والابتعاد ما أمكن عن الادلجة والفكر الشمولي ونحن نميل إلى هذا الرأي. لكن ما يجب قوله هنا بأن الاحزاب الكردية السورية ومنذ تأسيسها في عام 1957 كانت وما زالت تطالب بالحقوق الثقافية وتشجب مراسيم وقرارات منع التكلم باللغة الكردية في المدارس والدوائر الرسمية ،وكانت تطالب على الدوام برفع الحظر عن الثقافة واللغة الكردية. فلماذا تقف الآن في وجه هذه الخطوة!! رغم انهيار العملية التعليمية أو توقفها في أكثر من منطقة, فتطبيق هذا القرار من جانب “الادارة الذاتية” المشيدة هو تحدّ كبير يستحق الدعم والمساندة, فكل الشعوب والقوميات بدأت في تعلم لغتها وتدريس ثقافتها بإمكاناتها البسيطة، ثم بتراكم التجربة والخبرة والوعي تقدمت ووصلت إلى ما وصلت عليه، ولنا في تجربة اقليم كردستان العراق تجربة ومثالا. لأن هذا الفعل اللغوي يجسد حقا قوميا حلم به الكرد طويلا, فالنقد باعتقادي يجب أن لا يتناول مبدأ تدريس المناهج باللغة الكردية بل يجب أن يتركز على أسس وجوانب العملية التربوية والتعليمية وكيفية إعداد الكوادر وإشراك ذوي الاختصاص وإعداد المناهج وما تحتويه من معلومات وأفكار انسانية وخاصة في كتب التربية الوطنية والتاريخ الكردي والذي يجب أن يتصف بالحياد والموضوعية بعيداً عن الفكر الشمولي وأدلجة التعليم وزرع أفكار عنصرية أو شوفينية، والابتعاد عن ثقافة العنف والتركيز على قيم الحق والعدل والمساواة والحرية ونشر ثقافة حقوق الإنسان.؟!
إنّ كل هذه الضجة المفتعلة (قد يكون كلاما محقا في بعض جوانبه لكن يراد به باطل) لا مبرر لها وهي لتأليب الرأي العام والانتقام السياسيّ من القائمين على هذا العمل وتسويده. رغم كل ما يمكن أن يقال حول جوانب التقصير في تطبيق هذه الخطوة “التاريخية” التي أتاحتها الثورة السورية للكرد باعتبارهم بشر، ولديهم الحق بتقرير مصيرهم، والتحدث والتعلم بلغتهم الأم وممارسة طقوسهم وعاداتهم أسوة بالآخرين !!

 

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 28 بتاريخ 2015/10/1

التعليقات مغلقة.