نحو مؤتمر كوردي استعداداً لمؤتمر سوري

32

 

محفوظ رشيد1  أثبتت الأحداث والأيام عقم الحلّ العسكري للأزمة السورية الخانقة، المنتجة للقتل والدمار، والمخلفة للمآسي والأضرار للشعب السوري الجريح، ضحية الصراعات الدائرة في دوره ودياره منذ ما يقارب الخمس سنوات بين المتحاربين من المعارضة والموالاة بنزعات طائفية وسلطوية مقيتة، وأجندات خارجية عدوانية خبيثة، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية استمرارها لتقاعسه وتباطئه في إنهائها بالشكل الحاسم والوقت اللازم.

الآن وقد أصبح واضحاً ومسلماً به ضرورة الحل السياسي الذي بدأ التحضير له ابتداءً من جنيف (1) ومروراً بموسكو، وانتهاء بمؤتمر القاهرة الأخيرعلى قاعدة محاربة قوى الارهاب والتكفير المتمثلة بداعش والنصرة وأخواتهما، ووقف جميع العمليات العسكرية ومن في حكمها فوراً ونهائياً، والبدء بتاسيس المرحلة الانتقالية لبناء سوريا الجديدة بشكلها ونظامها ودستورها، وذلك من خلال عقد مؤتمر وطني توافقي يشمل مختلف أطياف الشعب السوري ومكوناته برعاية وإشراف دوليين على غرار مؤتمر الطائف اللبناني، والمساعي على قدم وساق في هذا الاتجاه بدلالة المندوب الأممي ستيفان ديمستورا. وكون الكرد جزء أصيل وأساسي من سوريا أرضاً وشعباً، ورقم معتبر ومؤثر في المعادلة السياسية، لذا يتطلب ترتيب البيت الكردي ليؤدي دوره المنوط به على أكمل وجه، وذلك بتهيئة الذات وتوفير المستلزمات والمقومات، للحضور في المؤتمر المطلوب عقده بفاعلية وجدية ليكون ممثلاً حقيقياً وفعلياً لإرادة الشعب الكردي ومعبراً عن تطلعاته وطموحاته، والمشاركة في إعداده وإنجاحه من خلال ورقة كردية موحدة تحمل مشروعاً وطنياً (خارطة طريق) لسوريا المستقبل، وتتضمن تصوراً واضحاً لحل قضيته القومية ضمن الاطار الوطني العام والموحد.

وانطلاقاً مما سبق نقترح عقد مؤتمر وطني كردي (بشكل مستعجل وقبل انعقاد المؤتمر الوطني السوري المنشود) على أن يكون عاماً وشاملاً لكافة الأطر والكتل والأحزاب الفاعلة على الأرض، إضافة إلى ممثلي الفعاليات والنخب الاجتماعية والثقافية والدينية والمهنية..، ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين من الشخصيات الوطنية المؤهلة والكفوءة بتمثيل عادل ومناسب لكل الكيانات المرشحة للحضور، بغض النظر عن الانتماءات والتوجهات والتحالفات والامتدادات على الأصعدة المحلية والكردستانية والدولية، ما لم تتجاوز تلك الكيانات الخطوط الحمر كالإساءة إلى القضية الكردية والمسّ بالأمن القومي الكردي بشكل أو بآخر، وعلى أن تلتزم الكيانات المشاركة في المؤتمر المقترح بالمبادئ والمنطلقات التالية:

1- الإقرار بالخصوصية الكردية من سياسية وثقافية واجتماعية.. في سوريا ، والعمل من أجل المصلحة القومية والوطنية في حدودها الجغرافية والسياسية، والتقيد بضوابط وأسس الاستقلالية في الإرادة والقرار والحراك.

2- الحفاظ على العمق الكردستاني الطبيعي والاستراتيجي من الأشقاء، وتوفير الغطاء الدولي الضروري من الأصدقاء والحلفاء، لتأمين الدعم والمساندة والتعاون والتنسيق لصالح القضية الكردية.

3- إقرار رؤية سياسية موحدة ومشتركة كالمقررة والمتفقة عليها في اتفاقيتي هولير ودهوك المبرمة بين المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحركة المجتمع الديموقراطي (Tev-Dem).

4- تثبيت الحضور الكردي وتقويته، وتدعيم موقعه وموقفه في المؤتمر المنشود كتحرير المناطق الكردية من فلول المجاميع الارهابية المسلحة، والحفاظ على أمنها وسلامتها، وإدارة شؤونها وتسيير أمور سكانها (بالمشاركة مع باقي المكونات شركائنا بالوطن)، انطلاقاً من الإدارات الذاتية القائمة فيها بعد تعديلها وتطويرها وتوسيعها من جميع النواحي القانونية والادارية والأمنية والعسكرية والخدمية. لتحقق رغبات الجميع بحيث يرى كل شخص نفسه فيها رأياً وطموحاً ومشاركة ومسؤولية .. جاء مقترحنا هذا لعقد مؤتمر وطني كردي لأسباب أهمها:

1- كضرورة وحاجة لتحفيز الحركة الكردية وتفعيل دورها وتحسين أدائها بتوحيد صفها وخطابها في ظل المرحلة المفصلية والحرجة من تاريخ شعبنا الكردي، لاستغلال الظروف الموضوعية المواتية لتأمين حقوقه القومية والوطنية والديموقراطية كما تقره العهود والمواثيق الدولية، وذلك بعد تجميد المرجعية الكردية المشكلة بموجب اتفاقية دهوك وتعطيلها، وتذمر غالبية الكرد وغضبهم ويأسهم من وضع حركتهم السياسية غير المريح وغير المرضي، ولا سيما بعد حدوث تطورات وتغيرات ميدانية، وظهور ظروف وأوضاع جديدة للتعامل والتفاعل بعد تحرير المناطق الكردية الممتدة من جبل Kizwan (عبد العزيز)إلى Girê Sipî (تل أبيض) من قبل (YPJوYPG) قوات حماية الشعب والمرأة وشركائهما، وبتنسيق ومساندة من طيران الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة، وما تلاها من مستجدات كإعلان كتلة ثالثة من قبل مجموعة من أحزاب المرجعية الكردية، وتبنّي (ENKS) لبيشمرگة  روجآفا في مؤتمره الأخير، ومحاولاته إدخالها إلى روجآڤا من كردستان العراق ، وهجمات داعش المكثفة على مدينة الحسكة والتي أدت إلى تهجير أهلها وتعطيل الحياة فيها، وغيرها من الأحداث الهامة والوقائع المثيرة.

2-  كاجتهاد شخصي في اختيار الشكل والأسلوب لانتخاب هيئة قيادية، أو مرجعية، أو مركز قرار، لإكسابها الشرعية والأهلية والصلاحية في قيادة نضالات شعبنا وإيصاله إلى بر الأمان بأقل الخسائر والتضحيات، وذلك لايجاد القاسم المشترك في المنطلقات الآنفة ذكرها على أرضية الديموقراطية التوافقية والتراضي، دون إقصاء لأي كيان كيفما كان حجمه أو فكره أو منهجه وموقعه على قاعدة الكردايتي والمصلحة القومية العليا، ولسدّ الطرق أمام أصحاب الحجج والذرائع الرامية لتمرير أجنداتها الشخصية والحزبية أو التهرب من الاستحقاقات اللازمة والتنصل من المسؤولية القومية والانسانية والأخلاقية المفروضة على عاتق كل من يجد في نفسه معنياً ومهتماً وحريصاً.

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 2015/8/1

التعليقات مغلقة.