الكرد في صحافة الغرب

31

هشام عرفات 1الموافقة على قصف مواقع حزب العمال الكردستاني (PKK): هل هذا أكبر خطأ فادح ترتكبه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ غزو العراق؟!

في سلسلة من المقالات التي صدرت في جريدة الاندبندنت اليومين الماضيين تحت عنوان “الصراع الكردي-التركي”، قام الكاتب والصحفي الايرلندي باتريك كوبرن بتسليط الضوء على مستجدات الوضع في تركيا وسورية الاسبوع الماضي:

بعد مماطلة تركيا الانضمام للتحالف الدولي في الحرب ضد الارهاب، دخلت الحرب كحليف متردد، فقامت بدغدغة بعض مواقع داعش، وفي الوقت ذاته قصفت مواقع لحزب العمال الكردستاني (PKK) في جبال قنديل شمال العراق. وردّاً على ذلك، قامت قوات الكَريلا الكردية بقتل جنديين تركيين في كمين جنوب شرق تركيا، وبذلك استأنف القتال بين قوات الأمن التركية والمقاتلين الكرد مرة أخرى بعد عامين من وقف اطلاق النار.

جاء رد الفعل الكردي بعد اتهام الكرد الولايات المتحدة بالتغاضي عن الاعتداءات السافرة للحكومة التركية على الكرد. وكان هذا التغاضي بمثابة الضوء الأخضر للقوات التركية، ولكن مقابل السماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة انجرليك الجوية ضد الجهاديين للمرة الأولى.

ومن جهتها  نفت الولايات المتحدة إعطاء الضوء الاخضر للهجمات التركية على حزب العمال الكردستاني مقابل استخدام القوات الأمريكية للقواعد الجوية التركية، ونفت أية علاقة بالهجمات التركية ضد مقاتلي داعش الذين كانوا يتحركون بحرية على طول 550 ميل من الحدود السورية-التركية. إلا أن المؤشرات الأولية تدل على أن الحكومة التركية مهتمة بالتحرك ضد الكرد في تركيا وسورية والعراق أكثر من مهاجمة داعش.

وفي الوقت ذاته، كثفت الشرطة التركية أعمال القمع لكل أطياف المعارضة. وفي نهاية الاسبوع تم اعتقال اكثر من الف شخص تظاهروا في أنقرا من أجل السلام حيث كبلت اياديهم بقيود ضيقة ومؤلمة جدا.

والنتيجة هي أن الولايات المتحدة قد تجد انها تسببت في زعزعة استقرار تركيا من خلال إشراكها في الحرب في كل من سوريا والعراق، ولكن دون الاقتراب من هزيمة داعش في اي من البلدين. فإذا كان الأمر كذلك، فإن أميركا تكون قد ارتكبت أكبر خطأ في الشرق الأوسط منذ غزو العراق عام 2003، معتقدة أنها استطاعت إسقاط صدام حسين واستبداله بحكومةٍ مواليةٍ للولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى، فقد ازداد العنف وعدم الاستقرار في تركيا العامين الماضيين إثْرَ محاولة الرئيس رجب طيب اردوغان تشديد قبضته على السلطة إلى أن خسر حزبه (حزب العدالة والتنمية) أغلبيته البرلمانية في الانتخابات العامة الشهر الماضي.

إن التفسير المحتمل لاعتداءات الحكومة التركية على حزب العمال الكردستاني وداعش والجماعات الارهابية الأخرى هو أن أردوغان يعتزم الفوز بانتخابات جديدة متوقعة في اخر هذه السنة اذا لم يتم التمكن من تشكيل تحالف حاكم مع الأحزاب الأخرى في تلك الأثناء. عندها قد يحاول الحصول على تأييد الأغلبية مستفيداً من النزعة القومية المعادية للارهاب والمعادية للكرد التي ستنشأ من مشاعر السخط والاشمئزاز لدى الشعب من هجمات حزب العمال الكردستاني وداعش.

أما مشكلة الولايات المتحدة فتكمن في أن حليفها الأكثر فعالية ضد داعش في سورية حتى الآن هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)  وهو الحزب الحاكم لأكثر من مليوني كردي سوري موزعين في ثلاثة كانتونات جنوب الحدود التركية. ويعتبر الـ(PYD) وقواته العسكرية المعروفة بوحدات حماية الشعب (YPG) الجناح السوري للـ (PKK). و بدعم جوي أمريكي تمكنت تلك القوات من صد هجوم داعش عند حصارها لمدينة كوباني و حققت ايضا سلسلة من الانتصارات ضده في أماكن أخرى، بما فيها المعبر الحدودي في تل أبيض.

وتكمن المفارقة في أن الولايات المتحدة تتحالف مع الكرد في سوريا و في الوقت ذاته تعتبر الحزب الأم الـ(PKK) مدرجاً على قائمة المنظمات الإرهابية. وفي ذلك قال بن رودز الناطق باسم البيت الأبيض: “ان الولايات المتحدة بالطبع تدرك أن الـ (PKK) على وجه التحديد حزب مدرج على قائمة المنظمات الارهابية، لذلك فتركيا لها الحق في اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد استهدافات الارهابيين.” طبعا هو لم يضف أن الولايات المتحدة كانت على الدوام تقوم بتزويد المخابرات التركية بمعلومات حول قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق منذ عام 2007.

أما مسألة وحدات حماية الشعب (YPG) من حيث التأسيس والخبرة، فقد ينظر للأمر على أنه نوع من انواع الانتهازية (الميكافيلية) في الواقعية السياسية، لأن هذه الوحدات قد اكتسبت معظم خبرتها العسكرية من قتال الـ (PKK) ضد تركيا، موضحين بذلك اسباب تحقيق المزيد من الانتصارات على داعش بخلاف القوات الأخرى التي تقاتل داعش في سورية والعراق. إلا أنه في الحقيقة قد تستفيد داعش من تبديل الولايات المتحدة لحلفائها، لأن بعض مقاتلي الـ(PYD) في سورية قد يعودون الى تركيا لقتال الجيش التركي.

وما يدعو للاستغراب ايضا أن تركيا تقوم الآن باعتقال ناشطي داعش وقوات المعارضة الأخرى، علماً أن أحزاب المعارضة التركية لم تلق أية مشاكل في السابق من قبل قوات الأمن التركية. فقد تم اعتقال خالص بايانجوك أحد قادة داعش في تركيا الملقب بـ”أبو حنظلة” الاسبوع الماضي، وتم اعتقاله قبل سنة ايضا ولكن وقتها تم اطلاق سراحه وبدلا من ذلك تم اعتقال الضابط الذي القى القبض على ابو حنظلة أول مرة.

ان التحول الأمريكي نحو تركيا ضد الكرد قد يكون له الكثير من التداعيات والعواقب لموازين القوى في المنطقة. فالولايات المتحدة بلا شك قادرة على تعزيز الهجوم الجوي ضد داعش، لأن قاعدة انجرليك تبعد 60 ميلا فقط عن الحدود السورية، بينما لم تستطع 400 غارة جوية أمريكية من منع داعش من السيطرة على مدينة الرمادي في 17 ايار.

قد يكون هنالك تداعيات جديدة للمواءمة الأمريكية-التركية. فسبب الهجمات التركية هو ان أنقرة لم تكن مرتاحة لكون الكرد في سورية أصبحوا الحليف المفضل لدى الولايات المتحدة. وكانت تركيا متخوفة أيضا من الاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني الذي يهدد بجعل طهران أكثر أهمية من أنقرة في حسابات واشنطن.

من المرجح أن الولايات المتحدة ستسمح بأي هجوم تركي ضد الـ (PKK) في قنديل وفي تركيا، ولكنها ستمنع أية تحركات للجيش التركي في الاقليم الكردي شمال شرق سورية. وفي الوقت نفسه يلتمس الـ (PKK) الدعم من إيران ومن الحكومة السورية في دمشق التي كانت تجمعهم بها علاقات وثيقة.

 

 

*هشام عرفات: مترجم كردي من روجآفا ومراسل جريدة الاندبندنت البريطانية في كردستان.

hisham-arafat@hotmail.com

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 24 بتاريخ 2015/8/1

 

التعليقات مغلقة.