تركيا والرهانات الخاسرة

26
11751254_897897830290651_380364438_n
نايف جبيرو

لا شك أن العلاقات السورية التركية كانت تمر بحالة ما يشبه شهر العسل, في مختلف المستويات التجارية منها والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية في فترة ما قبل العام 2011,  لكن وبعد مجيء ما سمي بالربيع العربي واندلاع الثورة السورية, وتغيير مختلف المعادلات والحسابات الإقليمية والدولية, فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم آنذاك وإلى اليوم في تركيا بدأ بالرهان على أمورٍ ومستجدات لم تكن محسوبة النتائج بصورة دقيقة, مما جعلت ودفعت بالدولة التركية بأن تفقد الكثير من مكانتها وثقلها الدولي التي كانت تتمتع بها كأحد الأعضاء المؤسسين لحلف الناتو وكلاعب إقليمي بارع على الساحة الشرق الأوسطية, ولعلّ أبرز تلك الرهانات يمكن ملاحظتها من خلال ما يلي:

– مع بداية الثورة السورية السلمية بتاريخ 15/3/2011 جازفت الحكومة التركية بعلاقاتها التي كانت تتسم بالانفتاح الكامل على كافة الأصعدة مع دمشق وراهنت على الأغلبية السنية المنتفضة, وممثلها حركة الإخوان المسلمين ضد نظام بشار الأسد, واضعاً في حسبانه أن مصير بشار الأسد لا بد وأن يكون عاجلاً أم آجلاً كمصير زين العابدين في تونس أو حسني مبارك في مصر, وبدأت الدولة التركية وانسجاماً مع هذه المراهنة بفتح أبواب مدنها لمؤتمرات المجلس الوطني السوري المحكوم من خلف الستار من قبل حركة الإخوان المسلمين, كما بدأت بإطلاق التهديدات ضد نظام الحكم في دمشق ووضع الخطوط الحمر أمامها, من قبيل لن نقبل بحماة أخرى, لكن يبدو كما يقال لا تجري الرياح كما تشتهي السفن, فقد ظهر جليّاً أن هناك إرادات دولية وإقليمية حوّلت الثورة السورية إلى صراعٍ مسلح, مما كان من شأن ذلك ظهور الجيش السوري الحر الذي تحول فيما بعد في غالبيته العظمى إلى جماعات تكفيرية متطرفة, الأمر الذي دفع بالدولة التركية إلى المراهنة على خيارٍ أشد سوءاً.

– بظهور الجماعات التكفيرية من أمثال جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها على الساحة السورية بدأت المعادلة الدولية تأخذ منحىً آخر يتجلّى في إعطاء الأولوية في استئصال الإرهاب, الأمر الذي أوقع تركيا في الموقف النقيض من الموقف الدولي حين بدأت بالمراهنة على هذه الجماعات في حسم الأمور على الساحة السورية, خاصة وبعد أن ظهر الدور البارز للمقاتلين الكرد, تلك القوة الناشئة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي ذو الارتباط الوثيق مع حزب العمال الكردستاني. مما كان من شأنه أن دفع بالدولة التركية بالارتماء في أحضان الجماعات التكفيرية ودعمها بمختلف الوسائل وفتح حدودها أمام دخول عناصرها إلى الداخل السوري بهدف الحد من تطور القوة الكردية ومن ثم احتلال المناطق الكردية من قبل هذه الجماعات, وهذا ما ظهر من خلال معارك سري كانيي والدعم التركي لجبهة النصرة وبالنتيجة تبين خسران هذا الرهان عندما لجأت الدوائر الدولية إلى وضع جبهة النصرة في قائمة الإرهاب واعتبارها كأحد فروع منظمة القاعدة المحظورة دولياً والموسومة بالارهاب.

– بعد انحسار دور جبهة النصرة على الساحة السورية وبصورة خاصة في مناطق التماس مع الحدود التركية نتيجة ظهور تنظيم داعش الأكثر شراسة والأكثر سفكاً للدماء في العراق وسوريا بدأت الدولة التركية بتغيير مراهناتها من جبهة النصرة الى المراهنة على تنظيم داعش خاصة وبعد تعاظم دور قوات وحدات الحماية الشعبية الكردية وعدم جني أية فائدة من وجود المجلس الوطني الكردي ضمن الائتلاف السوري لقوى المعارضة للحد من تطور القضية الكردية في سوريا, لكن حدث ما لم يكن ضمن التوقعات التركية المحسوبة دولياً حين قرر المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل تحالف دولي لضرب تنظيم داعش في سوريا والعراق, لكن تركيا وضمن حساباتها اعتقدت بأنها قادرة على إفشال هذه الحملة عندما امتنعت عن المشاركة في قوات التحالف الدولي من جهة وزيادة دعمها لتنظيم داعش وخاصة عندما ساهمت وبالتعاون مع تنظيم داعش على محاصرة كوباني ومحاولة تمكين داعش من احتلالها لكن ظهر أيضاً بأن تركيا قد أخطأت مرة أخرى في مراهناتها وذلك عندما بدأت قوات التحالف في مدّ يد العون بالسلاح والعتاد للقوات الكردية إلى جانب القصف من الجو ضد تنظيم داعش والتي انتهت في فك الحصار عن كوباني وابعاد خطرها.

– ازداد توجس الحكومة التركية من التطورات السريعة التي طرأت على تقدم قوات الحماية الشعبية الكردية خاصة وبعد أن تمكنت هذه القوات من تحرير مدينة تل أبيض (كري سبي) التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش فبدأت تكشر عن أنيابها مرة أخرى وبدأت بالمراهنة وبصورة علنية على قواتها المسلحة التي بدأت في تحشداتها قرب الحدود المتاخمة لمنطقة جرابلس تحسباً لأي تقدمٍ آخر للقوات الكردية نحو منطقة عفرين ومحاولة إزالة تلك المناطق العازلة بين المناطق الكردية وهنا يتبادر إلى الذهن هل يمكن القول بأن الدولة التركية قد وصلت إلى آخر مراهناتها وتجازف في الدخول إلى الأراضي السورية لمنع تقدم القوات الكردية الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث إنتفاضة كردية عارمة في شمال كردستان وإلى حدوث طلاق بائن بينها وبين دول الغرب وخاصة أمريكا التي ما فتأت ومنذ عدة سنين والدولة التركية تحاول إفشال مخططاتها في الشرق وبالتالي تكون آخر مراهناتها الخاسرة, كلّ هذا ما ستظهره الأيام القادمة.

 

 

نشر هذا المقال في Bûyerpress صحيفة في العدد 23 بتاريخ 2015/7/15

التعليقات مغلقة.