في وهم دخول بيشمركة “روجآفا” والأولويات في السياسة الأمريكية

28

 

 

11748726_897897840290650_142170201_n
شيار عيسى

مع تعاظم قوة تنظيم داعش، وتوسع رقعة نفوذه في العراق، وكذلك ازدياد مساحة المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب وبالتالي توسع خط المواجهات، برزت في الآونة الأخيرة المطالبات بدخول بيشمركة روجآفا وخاصة بعد مجزرة كوباني التي كشفت نقصاً شديداً في المقاتلين, تدفع الوحدات الكردية بأغلب مقاتليها لخطوط الجبهة الأولى مما يترك ورائها فراغاً تم استغلاله أكثر من مرة .

الثابت هو الحاجة إلى قوات إضافية، وخاصة بيشمركة روجآفا المدربين تدريباً جيداً، لكن المتحول هو الموقف من تبنّي تلك القوات من قبل المجلس الوطني الكردي، وتقدير مدى الفائدة العملية من تلك الخطوة، في ظل تساؤلات عن قدرة المجلس على تمويل تلك القوات، وعن امتلاكها القدرة على تحريك تلك القوات، إن لم يرغب بذلك قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني – عراق، وكذلك عن الجهة التي ستتبعها تلك القوات في حال حصول انشقاق في المجلس الوطني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجلس يتكون من خليط غير متجانس من أحزاب مختلفة فكرياً وتنظيمياً كان تحالفها، المؤقت فيما يبدو، نتيجة لغياب إطار جامع بديل بالنسبة لبعضهم ومعاداة الإدارة الذاتية بالنسبة للبعض الآخر.

ربما يكون الحديث عن أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو إيجاد حلول للفرقاء السياسيين في مناطق النزاع، التي لها مصالح فيها، وتود أن يكون أولئك الفرقاء حلفاء، بديهية ينطلق منها أنصار المجلس الوطني الكردي، لاستخلاص نتيجة مفادها أن تبنّي بيشمركة روجآفا يعني مزيداً من الضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يحتاج إلى مقاتلين، من قبل التحالف العربي- الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. بحسب نفس النظرية فإن القوات الأمريكية ستشترط على حزب الاتحاد الديمقراطي، إما إيقاف الدعم، أو إشراك المجلس الوطني وبيشمركا روجآفا في العملية السياسية وكذلك في الدفاع عن روجآفا، سبيلاً للحفاظ على المصالح الأمريكية.

يسهو متبنّو الرأي السابق عن حقيقة أنه وبالرغم من الحاجة لمقاتلين كرد إضافيين، فإن وحدات حماية الشعب تؤدي مهماتها بحرفية فائقة، وأنها حققت تقدماً سريعاً في كافة الجبهات، الأمر الذي لم تحققه القوات العراقية ذات التسليح المتقدم والمدعومة بالحشد الشعبي وبطائرات التحالف، وإن استمرت وحدات حماية الشعب في انتصاراتها، وهو السيناريو الأقرب، فإن الأمريكيين لن يحتاجوا إلى الدخول في عملية وساطة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الكردية.

لم تدخل الدبلوماسية الأمريكية يوماً كوسيط في أية مفاوضات ليس لها في تقارب الأطراف المعنية مكسب مباشر، ففي مفاوضات كامب ديفيد ضغط الرئيس الأمريكي على الرئيس المصري الراحل أنور السادات للوصول لصيغة اتفاق كان من سماتها الاتفاق على عدد من النقاط، وترحيل النقاط الخلافية، التي كانت سمة بارزة في مفاوضات أوسلو أيضاً، وإن دل ذلك على شيء إنما يدل على رغبة حقيقية لتوصل لاتفاق من الجانب الأمريكي لعدة أسباب منها وجود لوبي إسرائيلي ضاغط في أمريكا يهمه أمن إسرائيل.

في المفاوضات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في كردستان العراق كانت المصالح الأمريكية مهددة، فالطرفان كانا يملكان قوات ودخلا في نزاع مسلح، مما ولَّد حاجة لدى الأمريكيين في دفع الطرفين للجلوس على طاولة المفاوضات. يبدو أن الطرف الأمريكي لم يكن يود في الاعتماد على الأتراك كحليف وحيد، بل كان يتحسب ليوم ينقلب فيه الساسة الترك على الحليف الأمريكي كما يحصل اليوم.

أما في غرب كردستان فإن وحدات حماية الشعب تحرز تقدماً كبيراً، وتشكل حليفاً قوياً للغرب فيما يكتفي المجلس الوطني بالمعارضة عن بعد في اسطنبول وهولير دون أن يكون لتلك المعارضة أي تأثير على زعزعة الاستقرار وتهديد المصالح الأمريكية، وبالتالي فلن يضطر الدبلوماسيون الأمريكيون الضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي للقبول بالتوقيع على اتفاقية وتطبيقها. مع العلم أن المشاكل من قبيل تدني الخدمات، أو تدني الحالة الديمقراطية في عدة مجالات ومنها المضمار السياسي، لن تشكل حافزاً لدى الأمريكيين للتدخل، فالدبلوماسية الأمريكية لم تنصب نفسها يوماً حامية للحقوق ولن تفعل في غرب كردستان ايضاً، وهو ما لم يدركه بعد بعض ساسة المجلس الوطني الكردي الجالسون في هولير في وهم أن يقرر الحليف الأمريكي أن يسلمهم السلطة، أو نصفها، و أن يدخل بيشمركة روجآفا.

 

 

نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 23 بتاريخ 2015/7/15

التعليقات مغلقة.