النظام ولعبة المجلس الوطني الكردي
“ومهما استمر الخداع فأن القلم هو سلاح السلام لأنه لا يطلق الرصاص بل يطلق صوت الحق والحرية, لأن الحياة مواقف ولا قيمة لها أن لم نثبت أننا بشر بكرامتنا بعيداً عن العبودية”
أظهر الكرد – ومنذ أمد بعيد – بسالة وتضحية لأجل قضيتهم ولإيمانهم بأن الحرية هي أغلى من العبودية وإن كان ثمنها الموت. وعبر الأنظمة الغاصبة لحقوق الكرد فأن الحقائق والتمعن جيداً للواقع بعيداً عن التعصب الفكري والحزبي والسياسي ستتوضح الأمور أكثر لتثبت أن القادة السياسيين للأحزاب باعوا أحزابهم بالدرجة الأولى قبل القضية , وفي صمت رهيب من قبل جماهير تلك الأحزاب التي كانت تناضل بكل وفاء وإخلاص, ولكن تغلغل اليأس إلى نفوسهم حتى استسلموا لقادتهم وباتت القضية والمبدأ في مهبّ الريح رغم أنهم يستطيعون تغيير مسار الدفة بإبعادهم وعزلهم والاستمرار بمشروعهم الذي بدأوا بهِ من نابع القومية .
حاول النظام الحاكم مراراً وتكراراً كسب الكرد لمصلحته واستطاع التحكم بزمام الأمور عبر ضعاف النفوس وعلى حساب حقوق الكرد السياسية والثقافية والاجتماعية وكان اللاعب الأساسي بالمنطقة وارتباطه الوثيق بالدول الإقليمية الرافضة لقيام دولة كردستان ومنها تركيا وايران والعراق, ولا يخفى على العالم أجمع ان انتفاضة آذار في 2004 أكدت لجميع الدول أنه لا توجد قوة تستطيع أن تقف في وجه إرادة الشعب الكردي ولا إرادة تفوق إرادته , فقد خرج الشعب حينها بيداً واحدة بعيدة كل البعد عن الأجندات الحزبية ليصرخ صرخة واحدة كانت بمثابة شعلة الحرية والسلام للكرد وارتوت أرض كردستان سوريا بدماء طاهرة هي دماء أبناء الشعب الكردي , ولكن الأيادي الخفية لعبت دورها في تلك الانتفاضة وأخمدت بقلوب باردة كانت بمثابة الصدمة للشعب الكردي الذي بقي وحيداً دون مساندة ودعم حتى من القوى الكردستانية التي لم تستطع حتى ان تدعمه عبر إعلامها الواسع آنذاك وتدويل قضيتهم إقليميا ودوليا وفي ظل صمت رهيب حول ما جرى من قمع واستبداد, حتى الشعب السوري آنذاك بقي صامتا تجاه ما جرى رغم ان الانتفاضة الكردية امتدت إلى قلب العاصمة دمشق وهذه إحدى أعظم صفات الكرد؛ الاتحاد يدا واحدة لأنهم أخوة, ولولا تدخل قادة الأحزاب آنذاك لحصل الكرد على أغلب حقوقهم في تلك الانتفاضة ولكن هيهات فالمصالح الحزبية لتلك القادة أهم من القضية بالنسبة لهم .
تتالت الأعوام وبدأت ثورة 2011 حيث أدرك الكرد أنه حان الوقت لحمل تراب أرضهم وتقبيلها ورفع رايتهم بكل فخر واعتزاز وخرجوا بقلوب بريئة ومن نابع قومي محبين للسلام رافعين فقط راياتهم ومنادين بأصواتهم “آزادي – آزادي – آزادي ” هذه الكلمة التي أربكت النظام وأدواته لكنه مطمئن , فسرعان ما أعلن عن احتواء الشارع الكردي ضمن قاعة صغيرة جداً سماها المجلس الوطني الكردي دون أن يعلم أحد أن تلك فكرة النظام فالشعب بريء لا يعلم ما يجري خلف الستار , والتفّ حول ذاك المجلس ببراءته وسانده , بكل قوته وحشده ورويدا رويدا حيث بدأت الخيوط تظهر فلا يوجد لدى المجلس أي مشروع قومي أو حتى وطني وطوال أربعة أعوام يصبح المجلس كالبركان فبدل أن تتوحد الأحزاب وتخدم قضية الشعب والثورة انقسمت وزاد التشتت فأصبحت الأحزاب في انشقاقات مستمرة وخلافات حزبية ومصالح شخصية أغلبها مرتبط بالأجندات الخارجية وضاعت القضية , ولكن هذه المرة ضياع القضية كان له ثمن , فبدأوا برفع الاسعار قليلاً وحصلوا على صفقتهم من المال والرفاهية والسياحة الاوروبية كما لو كانوا موظفين في إحدى دوائر الدولة وبدأ الشعب بالتشرد والهجرة والبحث عن أبسط حقوقه المعيشية من المواد الاساسية وذاق هذا الشعب الويلات والمآسي في مخيمات اللجوء حتى هذا اليوم وما زال قادة الأحزاب في قمة رفاهيتهم يتحكمون بأغلب الأحزاب وثروتهم في ازدياد دون أن تتحرك تلك الأحزاب والكوادر والقيادات المناضلة لعزلهم ومحاسبتهم على جريمتهم بحق الانسانية أولاً وبحق القومية ثانياً وها هم الآن يعلنون مرة أخرى مؤتمرهم للمجلس الوطني الكردي وبصفقات جديدة وكأنهم أيقنوا ان الشعب استسلم ولن يحاسبهم متناسين أنه ما زال هناك شرفاء صامدون ويرفضون سياسة القمع والاستبداد فليس كل الثورات تعني حمل السلاح بل الثورة هي ثورة الحرية والسلام وتبدأ من الايمان النابع من التضحية ضد الظلم والاضطهاد فالنصر يكون حليف الأبطال والهزيمة بكل تأكيد هي للجبناء وللمتخاذلين ومهما استمر الخداع فأن القلم هو سلاح السلام لأنه لا يطلق الرصاص بل يطلق صوت الحق والحرية لأن الحياة مواقف ولا قيمة لها إن لم نثبت اننا بشر بكرامتنا بعيدآ عن العبودية ويعود ذاك السؤال ليفرض نفسه بقوة ماذا سيرفع المجلس فوق قاعة مؤتمره علم كردستان آم علم الثورة آم علم النظام الحاكم .
نشر هذا المقال في صحيفة Bûyerpress في العدد 20 بتاريخ 2015/6/1
التعليقات مغلقة.