طبائع الاستبداد وحِراك مهاباد – سيهانوك ديبو

26

 

سيهانوك ديبو
سيهانوك ديبو – المستشار السياسيّ للرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)

مثلما أن طبائع العمران الاجتماعي متشابهة كظواهر صحيحة؛ فإن الظواهر المعتلة أيضا تتشابه وتتقاطع إلى درجة التطابق، ومن هذه الظواهر المعتلة ظاهرة الاستبداد التي تتوائم مع مثيلاتها بالرغم من الابتعاد الجغرافي بينها، ومن شدة تشابهها يكاد ينعدم اختلاف طبائع الاستبداد والجغرافية المعمولة عليها؛ إلى الصفر.

النظام الاستبدادي في إيران يصف الرفض الشعبي في مدينة ( مهاباد) الكردية بأنها مؤامرة خبيثة تستهدف النظام (الإسلامي) في إيران، ويصف مظاهرة المعلمين أمام البرلمان في طهران (بمؤامرات الأعداء والحاقدين على النظام الإسلامي الذين يريدون إثارة شعارات باعثة للفتن وتنطوي على منحى واتجاه سياسي لكي يتخلقوا إزعاجات للنظام)!!! ومن الطبيعي أيضاً أن تتشابه ردات فعل الأنظمة المستبدة على كل حركة أو حراك أو انتفاض ضدها، فسرعان ما تكون أولى ردود فعل هذه الأنظمة متشابهة أيضاً، فتُراها تستخدم المصطلحات نفسها: ” المؤامرة ” و” ثِلَلُ الإرهاب”  و” الارهابيين” ؛ خاصة أنها وطيلة فترة استبدادها وجهت جميع سمومها إلى الوعي المجتمعي ومقوّضة أسسه النهضوية؛ فالرئيس في النظام الاستبدادي هو العلماني الأول، وفي الوقت نفسه هو الخليفة الراشدي الخامس، والحاكم بأمر الله والحالم بأمور الشعب والعباد؛ فلا بد أن يكون المتصرف الأوحد بأمورهم. وفي الجهة المقابلة التي لن يراها المستبد إلا بعد أن يتم زعزعة عرشه؛ توجد الشعوب المستبَدة بأمورها وأحوالها، وتراها تتحين الفرصة كي تنتهض وتتوثب في وجهه ومن ثم تنتفض حتى تتلمس التغيير المجتمعي والتحول الديمقراطي، وفي كل مرة تكون النتائج لصالح الشعوب – وإنْ طال الزمن- ضد مستبديها. ما يثير الدهشة وبالرغم من القمع والدموية التي تتحلى بها أنظمة القمع ومنها النظام الإيراني، وبالرغم ما تبديها أنظمة الاستبداد تجاه شعوبها؛ لكن وفي أول احتكاك بينها وبين شعبها؛ تظهر بأنها واهنة رخوة من الداخل، وهذا هو المتعلق بوهن نمطيتها المشيّدة، شأنها شأن جميع الأمم النمطية والتي أعْشَت كل الألوان من أجل لونها وحرقت كل الأعلام من أجل علمها، وألغت كل الألسن من أجل لسان حالها. ومن أجل استبدادها؛ تبدأ بتعويم الزيف حتى لو دعت الحاجة أن تُحرِّف التاريخ؛ ولو كان باستطاعتها لحرقته ذهنيا ودفنت كل تفاصيله في قيعان استبدادها وزنازينها. في التاريخ الحديث تظهر المعضلة جليّة هذه اللحظات بأن مشكلة الشعوب مع هذه الأمم النمطية في أوجهها؛ بدءا من الاشتراكية المشيدّة  ومرورا بكل الدول ذات النمطيات الطائفية والدينية وانتهاء بالدول ذات الصيغة القوموية. حيث أنه من العدمية تقويض إرادة مجتمع متعدد القوميات والطوائف لصالح قومية واحدة أو طائفة واحدة – كما الحال في إيران؛ وكل الدول المقتسمة لكردستان، ومن الحتمية المطلقة أن تؤدي سياسة الاستعلاء إلى المزيد من الشرخ والمتحصل أصلا من السياسة الاستبدادية إزاء ألوانٍ وأطيافٍ وألسنْ، وحينها لن تفيد بعض الإجراءات التسويفية – كتحصيل حاصل- التي تتعمدها تلك الدول النمطية إلّا إلى المزيد من الرفض الشعبي والمقاومة الشعبية؛ فالمسألةُ متعلقةٌ هنا بالقوى الضاغطة التي تقابلها بالضرورة قوى نابذة. والتشدق بالوصفات السحرية التي يبرزها المستبد؛ موازاة بالقمع والتنكيل والسجن لن يكون سوى حديث يخرج من فم عابر، أي الحديث عن حق المواطنة والحق الثقافي لن يجد في طريقه آذاناً صاغية؛ وهنا الأمرُ ليسَ متعلقاً برفض هذه التصورات الحقّة وإنما لأنها مبادئ وواجبات تقع على عاتق الدول أن تقوم بتوفيرها على مواطنيها، ولم تكن يوماً حقوقاً لأفراد وجماعات يسكنون البوتقة نفسها، فمن واجب الدول المقتسمة لكردستان أن تكون اللغة الكردية رسمية في جميع المدارس والجامعات إلى جانب اللغة العربية والفارسية والتركية، وقس ذلك على جميع الواجبات وليست الحقوق حتى تنتهي بالرئاسة. إن انتحار الشابة فريناز خسرواني  كان بمثابة (الشرارة التي فجرت احتجاجات مكبوتة نتيجة لتعرض الكرد في إيران إلى أنواع التمييز القومي والطائفي). فهل على الشعوب الإيرانية أن تستعد لحراك ثوري يتحول إلى ثورة تفضي إلى نظام إيراني متمدن ودولة عصرانية متمدنة؟ وإذا ما ثَبُتَ ذلك؛ فما على المنتفضين أن يكونوا يقظين من (حرامية الثورات) ولصوصها المتربصين بالموجة وركوبها؛ على شاكلة لصوص الثورات المحترفين ( عقارب الشعوب) الذين يلدغون ويشحذون سمومهم ويستعدون ومنذ الآن كي يظهروا بأنهم حامي حمى الشباب والدولة المدنية؛ وأي شيء من هذا القبيل. مثل العادة؛ أي حراك لا يستند إلى مفهوم نظري فلسفي ثوري سيكون مصيره الزحلقة إلى القيعان، ومثل العادة الشعوب تحتاج إلى طلائع ثورية تقودها بعد أن كانت ملتحمة معها: مطلباً ورؤية ومنهجاً، مثل العادة لصوص الثورات هم الوجه المتعفن لنظام الاستبداد. وفي سوريا اليوم رصدنا هذه هي النتيجة، وعلى عكسها فإن نتيجتنا في روج آفايي كردستان: ثورة حقيقية بمشروع ثوري حقيقي موصوف بالإدارة الذاتية الديمقراطية؛ من جهة، ومن جهة أخرى: مرتدين؛ منحرفين؛ فئويين؛ ما ورائيين؛ أشباه مثقفين؛ أنصاف كَتَبة؛ رواد مقاهي؛ مُرتادي فنادق. ومثل العادة أخيراً النتيجة الروجآفاوية تحددت رغم الحرب المستمرة والحصار المستمر ضد مناطق روجآفا. فهل تتحول فريناز خسرواني إلى ألبو عزيزي، وتتحول مثله كملهمة لحركة ربيع تهز أركان الاستبداد، وتصبح مثالا آخرِ لفئة الشباب المهمشة والمقصية ضد المستبدين؟ سؤال برسم إجابة المنتفضين في روجهلات وصدى حناجرهم.

تنويه واعتذار: نشرت المقالة في العدد (19) من صحيفة Buyerpress الورقية تاريخ 2015/5/15 , ونتيجة خطأ في التصميم تداخلت بعض الفقرات في المقالة. أسرة التحرير تعتذر من الكاتب ومن قرّائها الكرام .  

التعليقات مغلقة.