“الخيار الكردي و طريقة السعي نحو إيجاد حل للأزمة السورية”
لا يخفى على أحد بأن الإستراتيجية التي إتبعتها الحركة الكوردية في سوريا بمجمل أحزابها من أجل التغيير في بنية النظام الديكتاتوري كانت تعتمد على النضال السياسي و السلمي, وبناءً عليه كانت مذكرة إعلان دمشق في عام 2006 تشكل المنفيست لعملية التغيير الديمقراطي في سوريا.. إلا أن النظام في دمشق رفض المذكرة جملة و تفصيلاً مع إلقاء القبض على قيادات الإعلان و زجهم في المعتقلات بتهم لا تمس بصلة مع جوهر العمل السياسي الذي تبناه إعلان دمشق حينذاك.
ومع إعلان الثورة السورية بشكل سلمي, حذرت الحركة الكوردية المقيمون على الثورة من إستعمال السلاح مهما حاول النظام لدفعهم نحو ذلك, و أعلنت على أن إمتلاك الثورة للسلاح و إستعماله سيكون نحراً للثورة و سيطيل عمر النظام.. وخاصة بعد خطابه الأول للرئيس السوري بشار الأسد في يوم 31\3\2011 حيث نوه إلى أنه سيعمل ما في وسعه و بكل طاقاته تصفية (المشاغبين أو من يعمل على اللعب بأمن سوريا ومساعدة الإرهابيين) بهذا المعنى كان يشير إلى إستراتيجية واضحة على أنه لن يخضع للضغط الجماهيري ولسوف يواجه التظاهرات “السلمية” بالحديد والنار, وله العديد من الوسائل لتنفيذ ذلك.
و توازياً مع إتخاذ الخيار الأمني كإستراتيجية لإنهاء الثورة إتبع النظام المسلك الآخر الذي كان يطلبه بالأساس المعارضة السورية في إطار إعلان دمشق لكن بطريقته من خلال الإعلان عن لقاءات و مؤتمرات وطنية تشاورية للبحث عن طرق سلمية تؤدي إلى التغيير الديمقراطي “التدرجي” كلقاء صحارى بقيادة فاروق الشرع.. في حينها عمل النظام على الفصل بين المعارضة الداخلية (الوطنية) والمعارضة الخارجية (العميلة والمرتزقة) حسب وصف النظام, مع تحرك أمني مكثف لملاحقة كل من يخرج عن مظلة النظام و يُنَشِطُ المظاهرات السلمية, حيث تم إعتقال الآلاف و استعملت المدارس كمعتقلات.. إلى جانب إستعمال الإغتيالات المبرمجة و إتهام المعارضة بذلك للترويج على أن الإرهابيون هم من يقومون بتلك الإغتيالات ومن حق الأجهزة الأمنية ملاحقتهم (حفاظاً على أمن المواطنين)..!!!
وتلازماً مع الثورة السورية السلمية كان الشارع الكوردي ملتهباً بمظاهراته ومندداً لكل عمليات القتل الممنهج الذي سلكته الأجهزة الأمنية للنظام, محذراً الناشطين الثوريين على إمتلاكهم للسلاح.. وهذا ما كان يسعى إليه النظام لطالما المظاهرات مستمرة و تطورت شعاراتها من التغيير إلى إسقاط النظام.
ومع إرتكاب قوات النظام جرائم القتل بدت الشارع السوري أكثر سخونة والمتظاهرين أكثر تصميماً لإسقاط النظام.. تحركت الأجندات الخارجية لإشتعال نار الفتنة بين الطائفتين العلوية والسنية لإخراج الثورة من مسارها السلمي والجماهيري بعيداً عن الطائفة أو العرق.. عندها بدأت الإنشقاقات في صفوف الجيش ليتشكل كتائب سميت بكتائب الجيش الحر من دون أن تكون لتلك الكتائب قيادة سياسية كما كانت الحراك الشعبي و الجماهيري أيضاً تفتقد إلى قيادة سياسية.. حيث كانت الحراك تنظم نفسها بنفسها عن طريق تشكيل تنسيقيات شبابية غير مدروسة, إستفاد النظام منها كثيراً في عملية زج مناصريه بين صفوف التنسيقيات و المتظاهرين و العبث بالتنظيم لصالح مخططاته الرامية إلى قمع التظاهرات بشكل وحشي من جهة, ودفع المتمسكين بشعار إسقاط النظام نحو إمتلاك السلاح لإتهامهم بأنهم إرهابيون يستوجب تصفيتهم…
وسط هذا المشهد المخيف والذي كان يؤشر وبشكل واضح بأن سوريا تتجه نحو مستقبل مجهول في ظل عجز دولي أيضاً, حيث إستحال التدخل و إيقاف ما تحل بسوريا و شعبها من كوارث لإستعمال روسيا حق النقض لصالح النظام. ونتيجة لموقف روسيا بدى على المجتمع الدولي حالة من الذهول و الإرتباك والخوف على مستقبل الشعب السوري مع عجزه لوقف القتل و التدمير حتى العجز عن تقديم مواد إغاثية للمحاصرين من دون موافقة النظام في دمشق..
وزادت حالة الخوف و الهلع مع إنتشار وباء الإرهاب و ظهور تنظيم “دولة العراق والشام الإسلامية” ما أدى إلى تهديد حقيقي لحياة الإنسان في داخل سوريا و اختفت الآفاق أمام مساعي الحل, ليس العسكري فقط, بل إنما السياسي و السلمي أيضاً, لطالما من يسيطر على الأرض هم الإرهابيون و المتطرفون الإسلاميون من جهة, ومن جهة أخرى قوات النظام التي لا تؤمن إلا بالحل العسكري.. حيث النتيجة باينة أما المجتمع الدولي أن شعباً بأكمله يتجه نحو الهجرة القسرية ونصف المدن مدمرة إلى جانب مئات الآلاف من القتلى.. فهل بات ممكناً أن نتصور بأن الحل العسكري هو الخيار الوحيد؟
كان لقاء جنيف الأول والثاني محاولة يائسة من قبل المجتمع الدولي.. كونه لم يرى آفاقاً لدى الطرفين يهديان إلى إيمانهما بضرورة الوصول إلى إنهاء الأزمة عن طريق الحوار من خلال إيجاد أرضية مشتركة بين المعارضة و النظام.. إلا أن الضرورة تؤكد مرة أخرى على أن الحل المنشود لا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق الحوار.. و أن الحوار يجب أن ينطلق بين طرفين يؤمنان بالحوار تلبية لمصلحة الشعب وبعيداً عن الأجندات التي دمرت البلاد و أبادت العباد.. وأعتقد أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المعارضة الوطنية التي تؤمن بالديمقراطية وهي التي تُؤَمن مصلحة الشعب بكافة مكوناته, وعليها العمل من أجل خلق أرضية صالحة تنطلق منها عملية الحوار, و إجبار النظام القبول به من خلال طرح مشروع قابل للحياة..
وهذا ما تعتقده حركتنا الكوردية في سوريا و يجب العمل به.. من حيث المقدمة تأتي النتائج. و أن الحل السلمي الذي يؤمن به حركتنا الكوردية هو المنطلق الأساس للحفاظ على ما تبقى من سوريا بعد كل هذا التدمير و القتل و التهجير.. كون الحركة السياسية الكوردية و المتمثلة بالمجلس الوطني الكوردي و مِمَن خارج إطاره تعتقد أن مصلحة الكورد في أمن و أمان سوريا في ظل دولة ديمقراطية تعددية تحافظ على حقوق مكونات شعبها.. أما خارج هذه الإستحقاقات ستبقى حركتنا خارج الصراع الذي لا ينتج إلا مزيداً من القتل و التدمير.
” وهذا ما أكد عليه الأستاذ عبدالحميد درويش في ندوته التاريخية في هولير, عاصمة إقليم كوردستان, كإستراتيجية واضحة يجب أن تعمل عليها حركتنا السياسية من دون تردد أو خوف لطالما نحن نؤمن بأن الحوار هو السبيل الوحيد لإيصالنا إلى حلول ينتظرها شعبنا بفارغ الصبر.. وهذا ما يتطلب جرأة في الطرح و العمل عليه..”
ولطالما نحن نؤمن بالحل السلمي في وقت دمر الحل العسكري البلاد و أباد العباد, يجب علينا أن نتمكن بإمتلاك الوسائل و الحجج لمواجهة النظام بها و شد الخناف على رقبته من خلال تحمله المسؤولية الكاملة لما يجري على الأرض, وذلك توازياً مع إدانة و محاربة كل الأعمال الإرهابية من أية جهة كانت.. حيث أن النظام استفاد كثيراً من إنتشار الإرهاب في سوريا وسط صمت المعارضة, و حول قضية الشعب السوري من قضية التغيير نحو الديمقراطية إلى قضية محاربة الإرهاب.. و أعتقد أن المعارضة تتحمل مسؤولية هذا التحول المخيف.
إذاً فلنعمل على المسارين معاً: مسار البحث عن حل سلمي عن طريق الحوار بين المعارضة التي تؤمن بالحل السلمي و جهة النظام التي تدعي بأنها تعمل كذلك لإيجاد طريق نحو الحل السلمي.. ومسار محاربة الإرهاب التي تزيدنا إيماناً بأننا سننتصر مع إنتصارنا على الإرهاب.
————————–
التعليقات مغلقة.